وقرأ محمد بن السائب الكلبي وغيره : كتاب موسى بالنصب عطفاً على مفعول يتلوه، أو بإضمار فعل. وإذا لم يعن بالشاهد الإنجيل فإنما خص التوراة بالذكر، لأنّ الملتين مجتمعتان على أنها من عند الله، والإنجيل يخالف فيه اليهود، فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الفريقين أولى. وهذا يجري مع قول الجن :﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـابًا أُنزِلَ مِنا بَعْدِ مُوسَى ﴾ ومع قول النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وانتصب إماماً على الحال، والذي يظهر في تفسير هذه الآية أنه تعالى لما ذكر الكفار وأنهم ليس لهم إلا النار، أعقب بضدهم وهم المؤمنون، وهم الذين على بينة من ربهم، والشاهد القرآن، ومنه عائد على ربه. ويدل على أنّ الشاهد القرآن ذكر قوله : ومن قبله، أي : ومن قبل القرآن كتاب موسى، فمعناه : أنه تظافر على هدايته شيئان : كونه على أمر واضح من برهان العقل، وكونه يوافق ذلك البرهان هذين الكتابين الإلهيين القرآن والتوراة، فاجتمع له العقل والنقل. والإشارة بأولئك إلى من كان على بينة راعي معنى مع، فجمع والضمير في به يعود إلى التوراة، أو إلى القرآن، أو إلى الرسول، ثلاثة أقوال. والأحزاب جميع الملل قاله : ابن جبير، أو اليهود، والنصارى، قاله قتادة. أو قريش قاله : السدي، أو بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي، وآل أبي طلحة بن عبيد الله، قاله مقاتل. وقال الزمخشري : يعني أهل مكة ومن ضامّهم من المتحزبين على رسول الله صلى الله عليه وسلّم انتهى. فالنار موعده أي : مكان وعده الذي يصيرون إليه. وقال حسان :
أوردتمونا حياض الموت ضاحيةفالنار موعدها والموت لاقيها
والضمير في منه عائد على القرآن، وقيل : على الخبر، بأن الكفار موعدهم النار. وقرأ الجمهور : في مرية بكسر الميم، وهي لغة الحجاز. وقرأ السلمي، وأبو رجاء، وأبو الخطاب السدوسي، والحسن : بضمها وهي لغة أسد وتميم والناس أهل مكة قاله : ابن عباس، أو جميع الكفار من شاك وجاهل ومعاند قاله : صاحب العيتان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوالَئاِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الاشْهَـادُ هَـؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلا﴾ :
٢١١


الصفحة التالية
Icon