وقرىء : بطارد بالتنوين، قال الزمخشري : على الأصل يعني : أنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال أصله أن يعمل ولا يضاف، وهذا ظاهر كلام سيبويه. ويمكن أن يقال : إن الأصل الإضافة لا العمل، لأنه قد اعتوره شبهان أحدهما شبه بالمضارع وهو شبهه بغير جنسه. والآخر شبه بالأسماء إذا كانت فيها الإضافة، فكان إلحاقه بجنسه أولى من إلحاقه بغير جنسه. إنهم ملاقوا ربهم : ظاهره التعليل لانتفاء طردهم، أي : إنهم يلاقون الله، أي : جزاءه، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد. وقال الزمخشري : معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي منهم، وما أعرف غيره منهم، أو على خلاف ذلك مما تعرفونهم به من بناء إيمانهم على بادىء الرأي من غير نظر ولا تفكر، وما عليّ أنْ أشق على قلوبهم وأتعرف ذلك منهم حتى أطردهم ونحوه ﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ الآية أو هم مصدّقون بلقاء ربهم، موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة انتهى. ووصفهم بالجهل لكونهم بنوا أمرهم على الجهل بالعواقب، والاغترار بالظواهر. أو لأنهم يتسافلون على المؤمنين ويدعونهم أراذل من قوله : ألا لا يجهلن أحد علينا. أو تجهلون لقاء ربكم، أو تجهلون أنهم خير منكم، أو وصفهم بالجهل في هذا الاقتراح، وهو طرد المؤمنين ونحوه : من ينصرني، استفهام معناه لا ناصر لي من عقاب الله إن طردتهم عن الخير الذي قد قبلوه، أو لأجل إيمانهم قاله : الفراء، وكانوا يسألونه أنْ يطردهم ليؤمنوا به أنفة منهم أن يكونوا معهم على سواء، ثم وقفهم بقوله : أفلا تذكرون، على النظر المؤدّي إلى صحة هذا الاحتجاج. وتقدم تفسير الجمل الثلاث في الأنعام. وتزدري تفتعل، والدال بدل من التاء قال :
ترى الرجل النحيف فتزدريهوفي أثوابه أسد هصور
وأنشد الفراء :
يباعده الصديق وتزدريهحليلته وينهره الصغير
والعائد على الموصول محذوف أي : تزدرونهم، أي : تستحقرهم أعينكم. ولن يؤتيهم معمول لقوله : ولا أقول، وللذين معناه لأجل الذين. ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب، أي : ليس احتقاركم إياهم ينقص ثوابهم عند الله ولا يبطل أجورهم، الله أعلم بما في أنفسهم، تسليم لله أي : لست أحكم عليهم بشيء من هذا، وإنما الحكم بذلك لله تعالى الذي يعلم ما في أنفسهم فيجازيهم عليه. وقيل : هو رد على قولهم : اتبعك أراذلنا، أي لست أحكم عليهم بأنْ لا يكونن لهم خير لظنكم بهم، إن بواطنهم ليست كظواهرهم، الله عز وجل أعلم بما في نفوسهم، إني لو فعلت ذلك لمن الظالمين، وهم الذين يضعون الشيء في غير مواضعه، قد جادلتنا الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة. وقال الكلبي : دعوتنا. وقيل : وعظتنا، وقيل : أتيت بأنواع الجدال وفنونه فما صح دعواك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
وقرأ ابن عباس : فأكثرت
٢١٨
جدلنا كقوله :﴿وَكَانَ الانسَـانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلا﴾ فأتنا بما تعدنا من العذاب المعجل وما بمعنى الذي، والعائد محذوف أي بما تعدناه، أو مصدرية، وإنما كثرت مجادته لهم لأنه أقام فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو كل وقت يدعوهم إلى الله وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم. قال : إنما يأتيكم به الله، أي ليس ذلك إليّ إنما هو للإله الذي يعاقبكم على عصيانكم إن شاء أي : إن اقتضت حكمته أن يعجل عذابكم وأنتم في قبضته لا يمكن أن تفلتوا منه، ولا أن تمتنعوا. ولما قالوا : قد جادلتنا، وطلبوا تعجيل العذاب، وكان مجادلته لهم إنما هو على سبيل النصح والإنقاذ من عذاب الله قال : ولا ينفعكم نصحي.


الصفحة التالية
Icon