متبركين بسم الله. مجراها ومرساها منصوبان إما على أنهما ظرفا زمان أو مكان، لأنهما يجيئان لذلك. أو ظرفا زمان على جهة الحذف، كما حذف من جئتك مقدّم إلحاح، أي : وقت قدوم الحاج، فيكون مجراها ومرساها مصدران في الأصل حذف منهما المضاف، وانتصبا بما في بسم الله من معنى الفعل. ويجوز أن يكون باسم الله حالاً من ضمير فيها، ومجراها ومرساها مصدران مرفوعان على الفاعلية، أي : اركبوا فيها ملتبساً باسم الله إجراؤها وإرساؤها أي : ببركة اسم الله. أو يكون مجراها ومرساها مرفوعين على الابتداء، وباسم الله الخبر، والجملة حال من الضمير في فيها. وعلى هذه التوجيهات الثلاثة فالكلام جملة واحدة، والحال مقدرة. ولا يجوز مع رفع مجراها ومرساها على الفاعلية أو الابتداء أن يكون حالاً من ضمير اركبوا، لأنه لا عائد عليه فيما وقع حالاً. ويجوز أن يكون باسم الله مجراها ومرساها جملة ثانية من مبتدإ وخبر، لا تعلق لها بالجملة الأولى من حيث الإعراب أمرهم أولاً بالركوب، ثم أخبر أنّ مجراها ومرساها بذكر الله أو بأمره وقدرته، فالجملتان كلامان محكيان. يقال : كما أن الجملة الثانية محكية أيضاً بقال. وقال الضحاك : إذا أراد جري السفينة قال بسم الله مجراها فتجري، وإذا أراد وقوفها قال بسم الله مرساها فتقف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
وقرأ مجاهد، والحسن، وأبو رجاء، والأعرج، وشيبة، والجمهور من السبعة الحرميان، والعربيان، وأبو بكر : مجراها بضم الميم. وقرأ الأخوان، وحفص : بفتحها، وكلهم ضم ميم مرساها. وقرأ ابن مسعود، وعيسى الثقفي، وزيد بن عليّ، والأعمش، ومجراها ومرساها بفتح الميمين، ظرفي زمان أو مكان، أو مصدرين على التقارير السابقة. وقرأ الضحاك، والنخعي، وابن وثاب، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن جند، والكلبي، والجحدري، مجريها ومرسيها اسمي فاعل من أجرى وأرسى على البدل من اسم الله، فهما في موضع خبر، ولا يكونان صفتين لكونهما نكرتين. وقال ابن عطية : وهما على هذه القراءة صفتان عائدتان على ذكره في قولهم بسم الله انتهى. ولا يكونان صفتين إلا على تقدير أنْ يكونا معرفتين. وقد ذهب الخليل إلى أن ما كانت إضافته غير محضة قد يصح أن تجعل محضة، فتعرّف إلا ما كان من الصفة المشبهة فلا تتمحض إضافتها فلا تعرّف. إن ربي لغفور ستور عليكم ذنوبكم بتوبتكم وإيمانكم، رحيم لكم إذا نجاكم من الغرق. وروي في الحديث :"أن نوحاً ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع" وعن عكرمة : لعشر خلون من رجب. وهي تجري بهم إخبار من الله تعالى بما جرى للسفينة، وبهم حال أي : ملتبسة بهم، والمعنى : تجري وهم فيها في موج كالجبال، أي في موج الطوفان شبه كل موجة منه بجبل في تراكمها وارتفاعها. روي أن السماء أمطرت جميعها حتى لم يكن في الهواء جانب إلا أمطر، وتفجرت الأرض كلها بالنبع، وهذا معنى التقاء الماء. وروي أن الماء علا على الجبال وأعالي الأرض أربعين ذراعاً، وقيل : خمسة عشر. وكون السفينة تجري في موج دليل على أنه كان في الماء موج، وأنه لم يطبق الماء ما بين السماء والأرض، وأنّ السفينة لم تكن تجري في جوف الماء والماء أعلاها وأسفلها، فكانت تسبح في الماء كما تسبح السمكة، كما أشار إليه الزجاج والزمخشري وغيرهما. وقد استبعد ابن عطية هذا قال : وأين كان الموج كالجبال على هذا ؟ ثم كيف استقامت حياة من في السفينة ؟ وأجاب الزمخشري : بأن الجريان في الموج كان قبل التطبيق، وقيل أنْ يعم الماء الجبال. ألا ترى إلى قول ابنه : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. ونادى نوح ابنه، الواو لا ترتب. وهذا النداء كان قبل جري السفينة في قوله : وهي تجري بهم في موج، وفي إضافته إليه هنا وفي قوله : إن ابني من أهلي، وندائه دليل على أنه ابنه لصلبه، وهو قول : ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، والضحاك، وابن جبير، وميمون بن
٢٢٥
مهران، والجمهور، واسمه كنعان. وقيل : يام، وقيل : كان ابن قريب له ودعاه بالبنوّة حناناً منه وتلطفاً. وقرأ الجمهور : بكسر تنوين نوح، وقرأ وكيع بن الجراح : بضمه، أتبع حركته حركة الإعراب في الحاء. قال أبو حاتم : هي لغة سوء لا تعرف. وقرأ الجمهور : بوصل هاء الكناية بواو، وقرأ ابن عباس : أنه بسكون الهاء، قال ابن عطية وأبو الفضل الرازي : وهذا على لغة الازد الشراة، يسكنون هاء الكناية من المذكر، ومنه قول الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
ونضواي مشتاقان له أرقان
وذكر غيره أنها لغة لبني كلاب وعقيل، ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشدون :
وأشرب الماء ما بي نحوه عطشإلا لأن عيونه سيل واديها