وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فما معنى تكرير التنجية ؟ (قلت) : ذكر أولاً أنه حين أهلك عدوهم نجاهم ثم قال ونجيناهم من عذاب غليظ على معنى، وكانت التنجية من عذاب غليظ قال : وذلك أن الله عز وعلا بعث عليهم السموم، فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم وتقطعم عضواً عضواً انتهى. وهذا قاله الزجاج. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد، وكانت النجاة المتقدمة من عذاب غليظ يريد الريح، فيكون المقصود على هذا تعديد النعمة، والمشهور في عذابهم بالريح أنها كانت تحملهم وتهدم مساكنهم وتنسفها، وتحمل الظعينة كما هي، ونحو هذا. وتلك عاد إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال :﴿فَسِيحُوا فِى الارْضِ﴾ فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف الأخبار عنهم فقال : جحدوا بآيات ربهم أي : أنكروها. وأضاف الآيات إلى ربهم تنبيهاً على أنه مالكهم ومربيهم، فأنكروا آياته، والواجب إقرارهم بها. وأصل جحد أن يتعدى بنفسه، لكنه أجرى مجرى كفر فعدى بالباء، كما عدى كفر بنفسه في قوله : إلا أن عادا كفروا ربهم، إجراء له مجرى جحد. وقيل : كفر كشكر يتعدى تارة بنفسه، وتارة بحرف جر. وعصوا رسله، قيل : عصوا هوداً والرسل الذين كانوا من قبله، وقيل : ينزل تكذب الرسول الواحد منزلة تكذيب الرسل، لأنهم كلهم مجمعون على الإيمان بالله والإقرار بربوبيته كقوله :﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِا﴾ وأتبعوا أي : اتبع سقاطهم أمر رؤسائهم وكبرائهم، والمعنى : أنهم أطاعوهم فيما أمروهم به. قال الكلبي : الجبار هو الذي يقتل على الغضب، ويعاقب على المعصية، وقال الزجاج : هو الذي يجبر الناس على ما يريد. وذكر ابن الأنباري : أنه العظيم في نفسه، المتكبر على العباد. والظاهر أن قوله : واتبعوا عام في جميع عاد. وقال الزمخشري : لما كانوا تابعين له دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله انتهى.
٢٣٥
فظاهر كلامه يدل على أن اللعنة مختصة بالتابعين للرؤساء، ونبه على علة اتباع اللعنة لهم في الدارين بأنهم كفروا ربهم، فالكفر هو الموجب للعنة. ثم كرر التنبيه بقوله : ألا في الدعاء عليهم تهويلاً لأمرهم، وتفظيعاً له، وبعثاً على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم. وفائدة قوله : قوم هود مزيد التأكيد للمبالغة في التنصيص، أو تعيين عاد هذه من عاد ارم، لأنّ عاد إثنان ولذلك قال تعالى : وأنه أهلك، عاد الأولى فتحقق أن الدعاء على عاد هذه، ولم تلتبس بغيرها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
الصيحة : فعلة للمرة الواحدة من الصياح، يقال : صاح يصبح إذا صوت بقوة. حنذت الشاة أحنذها حنذا شويتها، وجعلت فوقها حارة لتنضجها فهي حنيذ، وحنذت الفرس أحضرته شوطاً أو شوطين ثم ظاهرت عليه الجلال في الشمس ليعرق. أوجس الرجل قال الأخفش : خامر قلبه، وقال الفراء : اتشعر، وقيل : أحسن. والوجيس ما يعتري النفس عند أوائل الفزع، ووجس في نفسه كذا خطر بها يجس وجسا ووجوساً وتوجس تسمع وتحسن. قال :
وصادقتا سمع التوجس للسرىلهجس خفي أو لصوت مندد
الضحك معروف، وكان ينبغي أن يذكر في سورة التوبة في قوله :﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا﴾ ويقال : ضحك بفتح الحاء، والضحكة الكثير الضحك، والضحكة المضحوك منه، ويقال : ضحكت الأرنب أي حاضت، وأنكر أبو عبيدة والفراء وأبو عبيد : ضحك بمعنى حاض، وعرف ذلك غيرهم. وقال الشاعر أنشده اللغويون :
وضحك الأرانب فوق الصفاكمثل دم الجوف يوم اللقا
٢٣٦
وقال الآخر :
وعهدي بسلمى ضاحكاً في لبانةولم يعد حقاً ثديها أن يحلما
أي حائضاً في لبانة، واللبانة والعلاقة والشوذر واحد. ومنه ضحكت الكافورة إذا انشقت، وضحكت الشجرة سال منا صمغها وهو شبه الدم، وضحك الحوض امتلأ وفاض.
الشيح : معروف، والفعل شاخ يشيخ، وقد يقال للأنثى : شيخة. قال :
وتضحك مني شيخة عبشمية
ويجمع على أشياخ وشيوخ وشيخان، ومن أسماء الجموع مشيخة ومشيوخاً. المجيد قال ابن الأعرابي : الرفيع. يقال : مجد يمجد مجداً ومجادة ومجد، لغتان أي كرم وشرف، وأصله من قولهم : مجدت الإبل تمجد مجداً شبعت. وقال : أمجدت الدابة أكثرت علفها، وقال أبو حية النميري :
تزيد على صواحبها وليستبماجدة الطعام ولا الشراب
أي : ليست بكثيرة الطعام ولا الشراب. وقال الليث : أمجد فلان عطاء ومجده إذا كثره، ومن أمثالهم "في كل شجر نار" واستمجد المرخ والعفار أي استكثر من النار. وقال ابن عطية : مجد الشيء إذا حسنت أوصافه. الروع : الفزع قال الشاعر :
إذا أخذتها هزة الروع أمسكتبمنكب مقدام على الهول أروعا
والفعل راع يروع قال :
ما راعني إلا حمولة أهلهاوسط الديار نسف حب الخمخم
وقال النابغة :
فارتاع من صوت كلاب فبات لهطوع الشوامت من خوف ومن صرد
والروع بضم الراء النفس، لأنها موضع الروع. الذرع مصدر ذرع البعير بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه، مأخوذ من الذراع، ثم وضع موضع الطاقة فقيل : ضاق به ذرعاً. وقد يجعلون الذراع موضع الذراع قال :