وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص، وزيد بن علي : يعقوب بالنصب. قال الزمخشري : كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : ليسوا مصلحين عشيرة، ولا ناعب، انتهى. يعني أنه عطف على التوهم، والعطف على التوهم لا ينقاس، والأظهر أن ينتصب يعقوب بإضمار فعل تقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، ودل عليه قوله : فبشرناها لأن البشارة في معنى الهبة، ورجح هذا الوجه أبو علي ومن ذهب إلى أنه مجرور معطوف على لفظ بإسحاق، أو على موضعه. فقوله ضعيف، لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور، لا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فإن جاء ففي شعر. فإنْ كان المعطوف منصوباً أو مرفوعاً، ففي جواز ذلك خلاف نحو : قام زيد واليوم عمرو، وضربت زيداً واليوم عمراً والظهر أن الألف في يا ويلتا بدل من ياء الإضافة نحو : يا لهفا ويا عجباً، وأمال الألف من يا ويلتا عاصم وأبو عمرو والأعشى، إذ هي بدل من الياء. وقرأ الحسن : يا ويلتي بالياء على الأصل. وقيل : الألف ألف الندبة، ويوقف عليها بالهاء. وأصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس. ويا ويلتا كلمة تخف على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، واستفهمت بقولها أألد استفهام إنكار وتعجب، وأنا عجوز وما بعده جملتا حال، وانتصب شيخاً على الحال عند البصريين، وخبر التقريب عند الكوفيين. ولا يستغنى عن هذه الحال إذا كان الخبر عروفاً عند المخاطب، لأنّ الفائدة إنما تقع بهذه الحال، أما إذا كان مجهولاً عنده فأردت أن تفيد المخاطب ما كان يجهله، فتجيء الحال على بابها مستغنى عنها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش، شيخ بالرفع. وجوزوا فيه. وفي بعلي أن يكونا خيرين كقولهم : هذا حلو حامض، وأن يكون بعلى الخبر، وشيخ خبر محذوف، أو بدل من بعلي، وأن يكون بعلي بدلاً أو عطف بيان، وشيخ الخبر. والإشارة بهذا إلى الولادة أو البشارة بها تعجبت من حدوث ولد بين شيخين هرمين، واستغربت ذلك من حيث العادة، لا إنكاراً لقدرة الله تعالى. قالوا : أي الملائكة أتعجبين ؟ استفهام إنكار لعجبها. قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب. وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، أرادوا أنّ هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوّة ؟ فليست بمكان عجيب، وأمر الله قدرته وحكمته. وقوله : رحمة الله وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب، كأنه قيل : إياك والتعجب، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل : الرحمة النبوة، والبركات الأسباط من بني إسرائيل، لأن الأنبياء منهم، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى. وقيل : رحمته تحيته، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة.
٢٤٤
وروي أن سارة قالت لجبريل عليه السلام : ما آية ذلك ؟ فأخذ عوداً بابساً فلواه بين أصابعه، فاهتز أخضر، فسكن روعها وزال عجبها. وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبراً وهو الأظهر، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. وأهل منصوب على النداء، أو على الاختصاص، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله : بنا تميماً يكشف الضباب. وقوله : ولا الحجاج عيني بنت ماء. وخطاب الملائكة أياهاً بقولهم : أهل البيت، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت، وقد دل على ذلك أيضاً في سورة الأحزاب خلافاً للشيعة إذ لا يعدون الزوجة من أهل بيت زوجها، والبيت يراد به بيت السكنى. إنه حميد : وقال أبو الهيثم تحمد أفعاله وهو بمعنى المحمود. وقال الزمخشري : فاعل ما يستوجب من عباده، مجيد كريم كثير الإحسان إليهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦


الصفحة التالية
Icon