قال الزمخشري : فإن قلت : أين جواب أرأيتم، وما له لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح ؟ قلت : جوابه محذوف، وإنما لم يثبت لأنّ إثباته في الصفتين دل على مكانه، ومعنى الكلام يناوي عليه، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي، وكنت نبياً على الحقيقة، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك انتهى. وتسمية هذا جواباً لأرأيتم ليس بالمصطلح، بل هذه الجملة التي قدرها هي في موضع المفعول الثاني لأرأيتم، لأنّ أرأيتم إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت إلى مفعولين، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية تنعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب : أرأيتك زيداً ما صنع. وقال الحوفي : وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه، والتقدير : فاعدل عن ما أنا عليه من عبادته على هذه الحال. وقال ابن عطية : وجواب الشرط الذي في قوله : إن كنت على بينة من ربي محذوف تقديره : أضل كما ضللتم، أو أترك تبليغ الرسالة ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة انتهى. وليس قوله : أضل جواباً للشرط، لأنه إن كان مثبتاً فلا يمكن أن يكون جواباً لأنه لا يترتب على الشرط وإن كان استفهاماً حذف منه الهمزة، فهو في موضع المفعول الثاني لأرأيتم، وجواب الشرط محذوف تدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها. والظاهر في قوله : رزقاً حسناً أنه الحلال الطيب من غير بخس ولا تطفيف أدخلتموه أموالكم. قال ابن عباس : الحلال، وكان شعيب عليه السلام كثير المال. وقيل : النبوة. وقيل : العلم. وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه المعنى : لست أريد أن أفعل الشيء الذي نهيتكم عنه من نقص الكيل والوزن واستأثر بالمال قاله : ابن عطية. وقال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه. وقال صاحب الغنيان : ما أريد أنْ أخالفكم في السرّ إلى ما أنهاكم عنه في العلانية. ويقال : خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مولّ عنه، وخالفني عنه إذا ولّي عنه وأنت قاصده، ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فتقول : خالفني إلى الماء، تريد أنه قد ذهب إليه وارداً، وأنا ذاهب عنه صادراً. والمعنى أنّ أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم، فعلى هذا الظاهر أن قوله : أن أخالفكم في موضع المفعول لا ريد، أي وما أريد مخالفتكم، ويكون خالف بمعنى خلف نحو : جاوز وجاز أي : وما أريد أن أخلفكم أي : أكون خلفاً منكم. وتتعلق إلى باخالفكم، أو بمحذوف أي : مائلاً إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قال بعضهم : فيه حذف يقتضيه إلى تقديره : وأميل إلى، أو يبقى أن أخالفكم على ظاهر ما يفهم من المخالفة، ويكون في موضع المفعول به بأريد، وتقدر : مائلاً إلى، أو يكون أن أخالفكم مفعولاً من أجله، وتتعلق إلى بقوله وما أريد بمعنى، وما أقصد أي : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قال الزجاج : وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه. والظاهر أن ما مصدرية ظرفية أي مدة استطاعتي للإصلاح، وما دمت متمكناً منه لا آلوا فيه جهداً. وأجاز الزمخشري في ما وجوهاً أحدها : أن
٢٥٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
يكون بدلاً من الإصلاح أي : المقدر الذي استطعته، أو على حذف مضاف تقديره : إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت، فهذان وجهان في البدل. والثالث : أن يكون مفعولاً كقوله :
ضعيف النكاتة أعداءه. أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم، وهذا الثالث ضعيف، لأن المصدر المعرّف بأل لا يجوز إعماله في المفعول به عند الكوفيين، وأما البصريون فإعماله عندهم فيه قليل.


الصفحة التالية
Icon