مكاناً بعيد لم يصح إلا بوساطة في، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة شعر، أو مع دخلت على الخلاف في دخلت أهي لازمة أو متعدية. والوجه هنا قيل : الذات، أي يخل لكم أبوكم. وقيل : هو استعارة عن شغله بهم، وصرف مودته إليهم، لأنّ من أقبل عليك صرف وجهه إليك وهذا كقول نعامة حين أحبته أمه لما قتل أخوته وكانت قبل لا تحبه. قال : الثكل أرامها أي : عطفها، والضمير في بعده عائد على يوسف، أو قتله، أو طرحه. وصلاحهم إما صلاح حالهم عند أبيهم وهو قول مقاتل، أو صلاحهم بالتوبة والتنصل من هذا الفعل وهذا أظهر، وهو قول الجمهور منهم الكلبي. واحتمل تكونوا أن. يكون مجزوماً عطفاً على مجزوم، أو منصوباً على إضمار أنْ. والقائل : لا تقتلوا يوسف، روبيل قاله قتادة وابن إسحاق، أو شمعون قاله مجاهد، أو يهوذا وكان أحلمهم وأحسنهم فيه رأياً وهو الذي قال : فلن أبرح الأرض قال لهم : القتل عظيم، قاله السدي، أوذان : أربعة أقوال، وهذا عطف منهم على أخيه. لما أراد الله من إنفاذ قضائه وإبقاء على نفسه، وسبب لنجاتهم من الوقوع في هذه الكبيرة وهو إتلاف النفس بالقتل. قال الهروي : الغيابة في الجب شبه لحف، أو طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي : الغيابة كمون في قعر الجب، لأن أسفله واسع ورأيه ضيق، فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه. وقال الزمخشري : غوره وهو ما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله انتهى. منه قيل للقبر : غيابة، قال المنحل السعدي :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
فإن أنا يوماً غيبتني غيابتيفسيروا بسيري في العشيرة والأهل
. وقرأ الجمهور : غيابة على الإفراد، ونافع : غيابات على الجمع، جعل كل جزء مما يغيب فيه غيابة. وقرأ ابن هرمز : غيابات بالتشديد والجمع، والذي يظهر أنه سمى باسم الفاعل الذي للمبالغة، فهو وصف في الأصل، وألحقه أبو علي بالاسم الجائي على فعال نحو ما ذكر سيبويه من الغياد. قال أبو الفتح : ووجدت من ذلك المبار المبرح والفخار الخزف. وقال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون على فعالات كحمامات، ويجوز أن يكون على فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة، وكل للمبالغة. وقرأ الحسن : في غيبة، فاحتمل أن يكون في الأصل مصدراً كالغلبة، واحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة. وفي حرف أبي في غيبة بسكون الياء، وهي ظلمة الركية. وقال قتادة في جماعة : الجب بئر بيت المقدس، وقال وهب : بأرض الأردن، وقال مقاتل : على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب، وقيل : بين مدين ومصر. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء : تلتقطه بتاء التأنيث، أنث على المعنى كما قال :
إذا بعض السنين تعرفتناكفى الأيتام فقد أبى اليتيم
والسيارة جمع سيار، وهو الكثير السير في الأرض. والظاهر أن الجب كان فيه ماء، ولذلك قالوا : يلتقطه بعض السيارة. وقيل : كان فيه ماء كثير يغرق يوسف، فنشرز حجر من أسفل الجب حتى ثبت يوسف عليه. وقيل : لم يكن ماء فأخرجه الله فيه حتى قصده الناس. وروي : أنهم رموه بحبل في الجب، فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه، حينئذ وهموا بعد برضحه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك. ومفعول فاعلين محذوف أي : فاعلين ما يحصل به غرضكم من التفريق بينه وبين أبيه.
﴿قَالُوا يَـا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَانَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَه لَنَـاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَه لَحَـافِظُونَ * قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُوا بِهِا وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَـافِلُونَ * قَالُوا لَـاِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذًا لَّخَـاسِرُونَ﴾ : لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه،
٢٨٤
أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب، إذ هو مما يشرح الصبيان، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه. وفي قولهم : ما لك لا تأمنا، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أنْ يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي : لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا ؟ والنصح دليل على الأمانة، ولهذا قرنا في قوله : ناصح أمين، وكان قد أحسن منهم قبل ما أوجب أنْ لا يأمنهم عليه. ولا تأمنا جملة حالية، وهذا الاستفهام صحبة التعجب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon