للتعليل أي : جانب يوسف المعصية لأجل طاعة الله، أو لما ذهب قبل. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل كأنه قال : تنزيهاً لله. ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال حاشا منوناً، وعلى هذا القول يتعلق لله بمحذوف على البيان كلك بعد سقيا، ولم ينون في القراآت المشهورة مراعاة لأصله الذي نقل منه وهو الحرف. ألا تراهم قالوا : من عن يمينه، فجعلوا عن اسماً ولم يعربوه وقالوا : من عليه فلم يثبتوا ألفه مع المضمر، بل أبقوا عن على بنائه، وقلبوا ألف على مع الضمير مراعاة لأصلها، وأما قراءة الحسن وقراءة أبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى ألفه كما قالوا : سبحان الله، وهذا اختيار الزمخشري. وقال ابن عطية : وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود فقال أبو علي : إن حاشى حرف استثناء، كما قال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
حاشى أبي ثوبان
وأما قراءة الحسن حاش بالتسكين ففيها جمع بين ساكنين، وقد ضعفوا ذلك. قال الزمخشري : والمعنى تنزيه الله من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله. وأما قوله : حاشى لله، ما علمنا عليه من سوء، فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله. ما هذا بشراً لما كان غريب الجمال فائق الحسن عما عليه حسن صور الإنسان، نفين عنه البشرية، وأثبتن له الملكية، لما كان مركوزاً في الطباع حسن الملك، وإن كان لا يرى. وقد نطق بذلك شعراء العرب والمحدثون قال بعض العرب :
فلست لأنسى ولكن لملاكتنزل من جو السماء يصوب
وقال بعض المحدثين :
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكةحسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
وانتصاب بشراً على لغة الحجاز، ولذا جاء ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ وما منكم من أحد عنه حاجزين، ولغة تميم الرفع. قال ابن عطية : ولم يقرأ به. وقال الزمخشري : ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ بشر بالرفع، وهي قراءة ابن مسعود انتهى. وقرأ الحسن وأبو الحويرث الحنفي : ما هذا بشرى، قال صاحب اللوامح : فيحتمل أن يكون معناه بمبيع أو بمشرى أي : ليس هذا مما يشترى ويباع. ويجوز أن يكون ليس بثمن كأنه قال : هو أرفع من أن يجري عليه شيء من هذه الأشياء، فالشراء هو مصدر أقيم مقام المفعول به. وتابعهما عبد الوارث عن أبي عمرو على ذلك، وزاد عليهما : إلا ملك بكسر اللام واحد الملوك، فهم نفوا بذلك عنه ذل المماليك وجعلوه في حيز الملوك، والله أعلم انتهى. ونسب ابن عطية كسر اللام للحسن وأبي الحويرث اللذين قرآ بشرى قال : لما استعظمن حسن صورته قلن هذا ما يصلح أن يكون عبداً بشرى، إنْ هذا إلا يصلح أن يكون ملكاً كريماً. وقال الزمخشري : وقرىء ما هذا بشرى أي : بعبد مملوك لئيم، إنْ هذا إلا ملك كريم. تقول : هذا بشرى أي حاصل بشرى، بمعنى هذا مشتري. وتقول : هذا لك بشرى، أي بكراً. وقال : وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدمى الحجازية، وبها ورد القرآن انتهى. وإنما قال القدمي، لأنّ الكثير في لغة الحجاز إنما هو جر الخبر بالباء، فتقول : ما زيد بقائم، وعليه أكثر ما جاء في القرآن. وأما نصب الخبر فمن لغة الحجاز القديمة، حتى أنّ النحويين لم يجدوا شاهداً على نصب الخبر في أشعار الحجازيين غير قول الشاعر :
وأنا النذير بحرة مسودةتصل الجيوش إليكم أقوادها
أبناؤها متكنفون أباهمحنقو الصدور وما هم أولادها
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
وقال الفراء وهو سامع لغة حافظ ثقة : لا يكاد أهل الحجاز، ينطقون إلا بالباء، فلما غلب على أهل الحجاز النطق بالباء قال الزمخشري : اللغة القدمى الحجازية، فالقرآن جاء باللغتين القدمى وغيرها.
٣٠٤
﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِا وَلَقَدْ رَاوَدتُّه عَن نَّفْسِهِا فَاسْتَعْصَمَ ولئن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُه لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ : ذا اسم الإشارة، واللام لبعد المشار، وكن خطاب لتلك النسوة. واحتمل أن يكون لما رأى دهشهن وتقطيع أيديهن بالسكاكين وقولهن : ما هذا بشراً، بعد عنهن إبقاء عليهن في أنْ لا تزداد فتنتهن، وفي أنْ يرجعن إلى حسنهن، فأشارت إليه باسم الإشارة الذي للبعيد، ويحتمل أن تكون أشارت إليه وهو للبعد قريب بلفظ البعيد رفعاً لمنزلته في الحسن، واستبعاد المحله فيه، وأنه لغرابته بعيد أن يوجد منه. واسم الإشارة تضمن الأوصاف السابقة
٣٠٥


الصفحة التالية
Icon