ثم أذن مؤذن أي : نادى مناد، أذن : أعلم. وآذن أكثر الإعلام، ومنه المؤذن لكثرة ذلك منه. وثم تقتضي مهلة بين جعل السقاية والتأذين، فروي أنه لما فصلت العير بأوقارها وخرجوا من مصر أدركوا وقيل لهم ذلك. وقيل : قبل الخروج من مصر أمر بهم فحبسوا، وأذن مؤذن. والظاهر وقول الجمهور : إن العير رالإبل. وقال مجاهد : كانت دوابهم حميراً، ومناداة العير والمراد أصحابها كقوله : يا خيل الله اركبي، ولذلك جاء الخطاب : إنكم لسارقون، فروعي المحذوف، ولم يراع العير كما روعي في اركبي. وفي قوله : والعير التي أقبلنا فيها. ويجوز أن تطلق العير على القافلة، أو الرفقة، فلا يكون من مجاز الحذف : والذي يظهر أن هذا التحيل، ورمى أبرياء السرقة، وإدخال الهم على يعقوب، بوحي من الله. لما علم تعالى في ذلك من الصلاح، ولما أراد من محنتهم بذلك. ويقويه قوله : كذلك كدنا ليوسف. وقيل : لما كانوا باعوا يوسف استجيز أن يقال لهم هذا، ونسبة السرقة إليهم جميعاً : وإن كان الصواع إنما وجد في رحل واحد منهم كما تقول : بنو فلان فتلوا فلاناً، والقاتل واحد منهم. قالوا : أي أخوة يوسف، وأقبلوا جملة حالية أي : وقد أقبلوا عليهم، أي : على طالبي السقاية، أو على المؤذن إنْ كان أريد به جمع. كأنه جعل مؤذنين ينادون، وساءهم أن يرموا بهذه المثلبة وقالوا : ماذا تفقدون ؟ ليقع التفتيش فتظهر براءتهم، ولم يلوذوا بالإنكار من أول، بل سألوا كمال الدعوى رجاء أن يكون فيها ما
٣٢٩
تبطل به فلا يحتاج إلى خصام. واحتمل أن يكون ماذا استفهاماً في موضع نصب بتفقدون، ويحتمل أن يكون ما وحدها استفهاماً مبتدأ، وذا موصولة بمعنى الذي خبر عن ما، وتفقدون صلة لذا، والعائذ محذوف أي : تفقدونه. وقرأ السلمي تفقدون بضم التاء من أفقدته إذا وجدته فقيداً نحو : أحمدته إذا أصبته محموداً. وضعف هذه القراءة أبو حاتم، وجهها ما ذكرناه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦
وصواع الملك هو المكيال، وهو السقاية سماه أولاً بإحدى جهتيه، وآخراً بالثانية. وقرأ الجمهور صواع بضم الصاد، بعدها واو مفتوحة، بعدها ألف، بعدها عين مهملة. وقرأ أبو حيوة، والحسن، وابن جبير فيما نقل ابن عطية كذلك، إلا أنه كسر الصاد. وقرأ أبو هريرة، ومجاهد : صاع بغير واو على وزن فعل، فالألف فيها بدل من الواو المفتوحة. وقرأ أبو رجاء : صوع على وزن قوس. وقرأ عبد الله بن عون بن أبي أرطيان : صوع بضم الصاد، وكلها لغات في الصاع. وقرأ الحسن، وابن جبير فيما نقل عنهما صاحب اللوامح : صواغ بالغين المعجمة على وزن غراب. وقرأ يحيى بن يعمر كذلك، إلا أنه يحذف الألف ويسكن الواو. وقرأ زيد بن علي : صوغ مصدر صاغ، وصواغ صوغ مشتقان من الصوغ مصدر صاغ يصوغ، أقيما مقام المفعول بمعنى مصوغ الملك. ولمن جاء به أي : ولمن دل على سارقه وفضحه، وهذا جعل وأنابه زعيم من كلام المؤذن. وأنا بحملالبعير كفيل أؤديه إلى ما جاء به، وأراد به وسق بعير من طعام جعلاً لمن حصله. قالوا : تالله أقسموا بالتاء من حروف القسم، لأنها تكون فيها التعجب غالباً كأنهم عجبوا من رميهم بهذا الأمر. وروي أنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في الطعام وتحرجوا من أكل الطعام بلا ثمن، وكانوا قد اشتهروا بمصر بصلاح، وكانوا يجعلون الأكمة في أفواه إبلهم لئلا تنال زروع الناس، فأقسموا على إثبات شيء قد علموه منهم، وهو أنكم قد علمتم أن مجيئنا لم يكن لفساد، ثم استأنفوا الأخبار عن نفي صفة السرقة عنهم، وأن ذلك لم يوجد منهم قط. ويحتمل أن يكون في حيز جواب القسم، فيكون معطوفاً على قوله : لقد علمتم. قال ابن عطية : والتاء في تالله بدل من واو، كما أبدلت في تراث، وفي التوراة، والتخمة، ولا تدخل التاء في القسم إلا في المكتوبة من بين أسماء الله تعالى وغير ذلك لا تقول : تالرحمن، ولا تالرحيم انتهى. أما قوله : والتاء في تالله بدل من واو، فهو قول أكثر النحويين. وخالفهم السهيلي فزعم أنها أصل بنفسها وليست بدلاً من واو، وهو الصحيح على ما قررناه في النحو. وأما قوله : وفي التوراة فعلى مذهب البصريين إذ زعموا أنّ الأصل. ووراه من ورى الزند. ومن النحويين من زعم أن التاء زائدة، وذلك مذكور في النحو. وأما قوله : ولا تدخل إلى آخره فقد حكي عن العرب دخولها على الرب، وعلى الرحمن، وعلى حياتك، قالوا : ترب الكعبة، وتالرحمن، وتحياتك. والخطاب في لقد علمتم لطالبي الصواع، والضمير في جزاؤه عائد على السارق. فما جزاء السارق إن كنتم كاذبين في قولكم : وما كنا سارقين له ؟ قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : فما جزاؤه الضمير
٣٣٠
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦


الصفحة التالية
Icon