﴿قَالُوا يَـا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُا أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُا إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلا مَن وَجَدْنَا مَتَـاعَنَا عِندَهُا إِنَّآ إِذًا لَّظَـالِمُونَ﴾ : استعطفوا يوسف إذ كان قد أخذ عليهم الميثاق. ومعنى كبيراً في السن، أو القدر. وكانوا قد أعلموا يوسف بأنه كان له ابن قد هلك، وهذا شقيقه يستأنس به، وخاطبوه بالعزيز إذ كان في تلك الخطة بعزل قطفير، أو موته على ما سبق. ومعنى مكانه أي : بدله على جهة الاسترهان أو الاستعباد، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : يحتمل قولهم أن يكون مجازاً، وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حرّ بسارق بدل من قد أحكمت السنة رقة، وإنما هذا كمن يقول لمن يكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله، وعلى هذا يتجه قول يوسف : معاذ الله لأنه تعود من غير جائز. ويحتمل أن يكون قولهم حقيقة، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الجمالة، أي : خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك. ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر. وقوله : من المحسنين، وصفوه بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد إنْ أسديتها إلينا، وهذا تأويل ابن إسحاق ومعاذ الله تقدم الكلام فيه في قوله : معاذ الله إنه ربي، والمعنى : وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده. فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلماً في مذهبكم، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة، أو مصالح جمة علمها في ذلك. فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالماً وعاملاً على خلاف الوحي. وأن نأخذ تقديره : من أن نأخذ، وإذا جواب وجزاء أي : إن أخذنا بدله ظلمنا. وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم : إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦
﴿فَلَمَّا اسْتَيْـاَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ﴾ :
٣٣٤
استفعل هنا بمعنى المجرد، يئس واستيأس بمعنى واحد نحو : سخر واستسخر، وعجب واستعجب. وزعم الزمخشري أن زيادة السين والتاء في المبالغة قال : نحو ما مر في استعصم انتهى. وقرأ ابن كثير : استيأسوا استفعلوا، من أيس مقلوباً من يئس، ودليل القلب كون ياء أيس لم تنقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها. ومعنى خلصوا نجياً : انفردوا من غيرهم يناجي بعضهم بعضاً. والنجي فعيل بمعنى مفاعل، كالخليط والعشير. ومعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل : النجوى بمعنى التناجي، وهو لفظ يوصف به من له نجوى واحداً كان أو جماعة، مؤنثاً أو مذكراً، فهو كعدل، ويجمع على أنجية قال لبيد :
وشهدت أنجية الأفاقة عالياكعبي وأرداف الملوك شهود
وقال آخر :
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه
ويقول قوم : نجى وهم نجوى تنزيلاً للمصدر منزلة الأوصاف. ويجوز أن يكون هم نجى من باب هم صديق، لأنه بزنة المصادر محصواً للتناجي، ينظرون ماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم لهذا الذي دهمهم من الخطب فيه، فاحتاجوا إلى التشاور. وكبيرهم أي : رأياً وتدبيراً وعلماً، وهو شمعون قاله : مجاهد. أو كبيرهم في السن وهو روبيل قاله : قتادة. وقيل : في العقل والرأي، وهو يهوذا. ذكرهم الميثاق في قول يعقوب : لتأتنني به إلا أن يحاط بكم، وما زائدة أي :
٣٣٥


الصفحة التالية
Icon