لأنهما فيه. وقيل : عبر بالكل عن البعض. وارتدَّ عدّه بعضهم في أخوات كان، والصحيح أنها ليست من أخواتها، فانتصب بصيراً على الحال والمعني : أنه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر. ففي الكلام ما يشعر أنّ بصره عاد أقوى مما كان عليه وأحسن، لأنّ فعيلاً من صيغ المبالغة، وما عدل من مفعل إلى فعيل إلا لهذا المعنى انتهى. وليس كذلك لأنّ فعيلاً هنا ليس للمبالغة، إذ فعيل الذي للمبالغة هو معدول عن فاعل لهذا المعنى. وأما بصيراً هنا فهو اسم فاعل من بصر بالشيء، فهو جار على قياس فعل نحو ظرف فهو ظريف، ولو كان كما زعم بمعنى مبصر لم يكن للمبالغة أيضاً، لأنّ فعيلاً بمعنى ليس للمبالغة نحو : أليم وسميع بمعنى مؤلم ومسمع. وروي أن يعقوب سأل البشيركيف يوسف ؟ قال : ملك مصر. قال : ما أصنع بالملك ؟ قال : على أي دين تركته ؟ قال : على الإسلام، قال : الآن تمت النعمة. وقال الحسن : لم يجد البشير عند يعقوب شيئاً ببيته به وقال : ما خبرنا شيئاً منذ سبع ليال، ولكن هون الله عليك سكرات الموت. وقال الضحاك : رجع إليه بصره بعد العمى، والقوة بعد الضعف، والشباب بعد الهرم، والسرور بعد الكرب. والظاهر أن قوله : إني أعلم، محكي بالقول ويريد به إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون. فقيل : ما لا تعلمون من حياة يوسف، وأن الله يجمع بيننا وبينه. وقيل : من صحة رؤيا يوسف عليه السلام، وقيل : من بلوى الأنبياء بالحزن، ونزول الفرج، وقيل : من أخبار ملك الموت إياي، وكان أخبره أنه لم يقبض روحه. وقال ابن عطية : ما لا تعلمون هو انتظاره لتأويل الرؤيا، ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله فقط. وقال الزمخشري : ألم أقل لكم يعني قوله : إني لأجد ريح يوسف، أو قوله : ولا تيأسوا من روح الله. وقوله إني أعلم، كلام مبتدأ لم يقع عليه القول انتهى. وهو خلاف الظاهر الذي قدمناه. ولما رجع إليه بصره وقرت عينه بالمسير إلى ابنه يوسف، وقررهم على قوله : ألم أقل لكم طلبوا منه أن يستغفر لهم الله لذنوبهم، واعترفوا بالخطأ السابق منهم، وسوف أستغفر لكم : عدة لهم بالاستغفار بسوف، وهي أبلغ في التنفيس من السين. فعن ابن مسعود : أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر. وعن ابن عباس : إلى ليلة الجمعة، وعنه : إلى سحرها. قال السدي، ومقاتل، والزجاج : أخر لإجابة الدعاء، لا ضنة عليهم بالاستغفار. وقالت فرقة : سوف إلى قيام الليل. وقال ابن جبير وفرقة : إلى الليالي البيض، فإن الدعاء فيها يستجاب. وقال الشعبي : أخره حتى يسأل يوسف، فإن عفا عنهم استغفر لهم. وقيل : أخرهم ليعلم حالهم في صدق التوبة وإخلاصها. وقيل : أراد الدوام على الاستغفار لهم. ولما وعدهم بالاستغفار رجاهم بحصول الغفران بقوله : إنه هو الغفور الرحيم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٩


الصفحة التالية
Icon