﴿قُلْ هَـاذِهِا سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَـانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ا أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ﴾ :
٣٥٢
لما تقدم من قول يوسف عليه السلام :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا﴾ وكان قوله تعالى :﴿وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ دالاً على أنه حارص على إيمانهم، مجتهد في ذلك، داع إليه، مثابر عليه. وذكر ﴿وَمَا تَسْـاَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أشار إلى فيهم من ذلك وهو شريعة الإسلام والإيمان، وتوحيد الله. فقال : قل يا محمد هذا الطريقة والدعوة طريقي التي سلكتها وأنا عليها، ثم فسر تلك السبيل فقال : أدعو إلى الله يعني : لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم، إنما دعاني إلى الله وحده. قال ابن عباس : سبيلي أي دعوتي. وقال عكرمة : صلاتي، وقال ابن زيد : سنتي، وقال مقاتل والجمهور : ديني.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠
وقرأ عبد الله : قل هذا سبيلي على التذكير. والسبيل يذكر ويؤنث، ومفعول أدعو هو محذوف تقديره : أدعو الناس. والظاهر تعلق على بصيرة بأدعو، وإنا توكيد للضمير المستكن في ادعو، ومن معطوف على ذلك الضمير والمعنى : أدعو أنا إليها من اتبعني. ويجوز أن يكون على بصيرة خبراً مقدماً، وإنا مبتدأ، ومن معطوف عليه. ويجوز أن يكون على بصيرة حالاً من ضمير ادعو، فيتعلق بمحذوف، ويكون أنا فاعلاً بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف، ومن اتبعني معطوف على أنا. وأجاز أبو البقاء أن يكون : ومن اتبعني مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي : داع إلى الله على بصيرة. ومعنى بصيرة حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله :﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ وسبحان الله داخل تحت قوله قل : أي قل، وتبرئة الله من الشركاء أي : براءة الله من أن يكون له شريك. ولما أمر بأن يخبر عن نفسه أنه يدعو هو ومن اتبعه إلى الله، وأمر أن يخبر أنه ينزه الله عن الشركاء، أمر أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك، وأنه ليس ممن أشرك. وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منهم، ولا في وقت من الأوقات. إلا رجالاً حصر في الرسل دعاة إلى الله، فلا يكون ملكاً. وهذا رد على من قال :﴿لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لانزَلَ مَلَئاِكَةً﴾ وكذلك، قال :﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا﴾ وقال ابن عباس : يعني رجالاً لا نساء، فالرسول لا يكون امرأة، وهل كان في النساء نبية فيه خلاف ؟ والنبي أعم من الرسول، لأنه منطلق على من يأتيه الوحي سواء أرسل أو لم يرسل، قال الشاعر في سجاح المتنبئة :
أمست نبيتنا أنثى نطيف بهاولم تزل أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهمعلى سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيتأصداؤه ماء مزن أينما كانا
وقرأ أبو عبد الرحمن، وطلحة، وحفص : نوحي بالنون وكسر الحاء، موافقاً لقوله : وما أرسلنا. وقرأ الجمهور بالياء وفتح الحاء مبنياً للمفعول. والقرى المدن. قال ابن زيد : أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية، فإنهم قليل نبلهم، ولم ينشىء الله قط منهم رسولاً. وقال الحسن : لم يبعث الله رسولاً من أهل البادية، ولا من النساء، ولا من الجن. والتبدي مكروه إلا في الفتن، ففي الحديث :"من بدا جفا" ثم استفهم استفهام توبخ وتفريع. والضمير في يسيروا عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر، ومن عاند الرسول وأنكر رسالته كفر أي : هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر أخبار الرسل السابقة، ويرون مصارع الأمم المكذبة، فيعتبرون بذلك ؟ ولدار الآخرة خير، هذا حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها، واتقاء المهلكات، ففي هذه الإضافة تخريجان : أحدهما : أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، وأصله : ولدار الآخرة. والثاني : أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه، وأصله : ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة. والأول : تخريج كوفي، والثاني : تخريج بصرى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠
وقرأ الجمهور : أفلا يعقلون بالياء رعياً لقوله : أفلم يسيروا. وقرأ الحسن، وعلقمة، والأعرج، وعاصم، وابن عامر، ونافع :
٣٥٣