. وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم، كانت الأرض طينة واحدة فسطحها، فصارت قطعاً متجاورات، فنزل عليها ماء واحد من السماء فتخرج هذه زهرة وثمرة، وتخرج هذه سبخة وملحاً وخبثاً وكذلك الناس خلقوا من آدم. فنزلت عليهم من السماء مذكرة، قربت قلوب وخشعت قلوب، وقست قلوب ولهت قلوب. وقال الحسن : ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان. قال تعالى :﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَا وَلا يَزِيدُ الظَّـالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾، وهو شبيه بكلام الصوفية. إن في ذلك قال ابن عباس : في اختلاف الألوان والروائح والطعوم، لآيات : لحججاً ودلالات لقوم يعقلون : يعلمون الأدلة فيستدلون بها على وحدانية الصانع القادر. ولما كان الاستدلال في هذه الآية بأشياء في غاية الوضوح من مشاهدة تجاور القطع، والجنات وسقيها وتفضيلها، جاء ختمها بقوله : لقوم يعقلون، بخلاف الآية التي قبلها، فإن الاستدلال بها يحتاج إلى تأمل ومزيد نظر جاء ختمها بقوله لقوم يتفكرون.
﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍا أُوالَـا ـاِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم وَأُوالَـا ـاِكَ الاغْلَـالُ فِى أَعْنَاقِهِم وَأُوالَـا ئِكَ أَصْحَـابُ النَّارِا هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَـاتُا وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِم وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ :
٣٦٤
أنه ولما أقام الدلائل على عظيم قدرته بما أودعه من الغرائب في ملكوته التي لا يقدر عليها سواه، عجب الرسول عليه الصلاة والسلام من إنكار المشركين وجدانيته، وتوهينهم قدرته لضعف عقولهم فنزل. وإن تعجب قال ابن عباس : وإن تعجبْ من تكذيبهم إياك بعدما كانوا حكموا عليك أنك من الصادقين، فهذا أعجب. وقيل : وإن تعجب يا محمد من عبادتهم ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً بعدما عرفوا الدلائل الدالة على التوحيد، فهذا أعجب. قال الزمخشري : وإن تعجب من قولهم يا محمد في إنكار البعث، فقولهم عجيب حقيق بأنْ يتعجب منه، لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك من الفطر العظيمة، ولم يعي بخلقهن، كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره، فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب انتهى. وليس مدلول اللفظ ما ذكر، لأنه جعل متعلق عجبه صلى الله عليه وسلّم هو قولهم في إنكار البعث، فاتحذ الجزاء والشرط، إذ صار التقدير : وإن تعجب من قولهم في إنكار البعث فاعجب من قولهم في إنكار البعث، وإنما مدلول اللفظ أن يقع منك عجب، فليكن من قولهم : أئذا كنا الآية. وكان المعنى الذي ينبغي أن يتعجب منه : هو إنكار البعث، لأنه تعالى هو المخترع للأشياء. ومن كان قادراً على إبرازها من العدم الصرف كان قادراً على الإعادة، كما قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُا ﴾ وهو أهون عليه أي : هين عليه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
وقال ابن عطية : هذه الآية توبيخ للكفرة، أي : إن تعجب يا محمد من جهالتهم وإعراضهم عن الحق، فهم أهل لذلك، وعجيب وغريب أن تنكر قلوبهم العود بعد كوننا خلقاً جديداً. ويحتمل اللفظ منزعاً آخر : إن كنت تريد عجباً فهلم، فإنّ من أعجب العجب قولهم انتهى. واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعاً، هنا موضع، وكذا في المؤمنين، وفي العنكبوت، وفي النمل، وفي السجدة، وفي الواقعة، وفي والنازعات، وفي بني إسرائيل موضعان، وكذا في والصافات. وقرأ نافع والكسائي بجعل الأول استفهاماً، والثاني خبراً، إلا في العنكبوت والنمل بعكس نافع. وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت، وأما في النمل فعلى أصله إلا أنه زاد نوناً فقرأ :﴿أَانَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبراً، والثاني استفهاماً، إلا في النمل والنازعات فعكس، وزاد في النمل نوناً كالكسائي. وإلا في الواقعة فقرأهما باستفهامين، وهي قراءة باقي السبعة في هذا الباب، إلا ابن كثير وحفصاً قرأ في العنكبوت بالخبر في الأول وبالاستفهام في الثاني، وهم على أصولهم في اجتماع الهمزتين من تخفيف
٣٦٥