ما نصه : وأما هذا الوجه الثاني فقد دل به على أنّ من هذه القدرة قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره انتهى. وقالت فرقة : الهادي علي بن أبي طالب، وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية، فإنما جعل الرسول صلى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب مثالاً من علماء الأمّة وهداتها إلى الدين، فكأنه قال : أنت يا علي هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم كذلك علماء كل عصر، فيكون المعنى على هذا : إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير. وقال أبو العالية : الهادي العل. وقال علي بن عيسى : ولكل قوم سبقهم إلى الهدى إلى نبي أولئك القوم. وقيل : هود قائد إلى الخير أو إلى الشر قال تعالى في الخير :﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ وقال في الشر :﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ قاله أبو صالح. ووقف ابن كثير على هاد وواق حيث واقعا، وعلى وال هنا وباق في النخل بإثبات الياء، وباقي السبعة بحذفها. وفي الإقناع لأبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد : الوقف على ميع الباب لابن كثير بالياء، وهذا لا يعرفه المكيون. وفيه عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أنه خيره في الوقف في جميع الباب، بين أن يقف بالياء، وبين أن يقف بحذفها. والباب هو كل منقوص منون غير منصرف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الارْحَامُ وَمَا تَزْدَادُا وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَه بِمِقْدَارٍ * عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِا وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفا بِالَّيْلِ وَسَارِبُا بِالنَّهَارِ * لَه مُعَقِّبَـاتٌ مِّنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِا يَحْفَظُونَه مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ﴾ : مناسبة هذه الآية لما قبلها هو ما نبه عليه الزمخشري من أنه تعالى لما طلب الكفار أن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلّم آية وكم آية نزلت، أردف ذلك بذكر آيات
٣٦٨
علمه الباهر، وقدرته النافذة، وحكمته البليغة، وأن ما نزل عليه من الآيات كافية لمن تبصر، فلا يقترحون غيرها، وأنّ نزول الآيات إنما هو على ما يقدره الله تعالى. وقيل : مناسبة ذلك أنه لما تقدم إنكارهم البعث لتفرق الأجزاء واختلاط بعضها ببعض، بحيث لا يتهيأ الامتياز بينها، نبه على إحاط علمه، وأن من كان عالماً بجميع المعلومات هو قادر على إعادة ما أنشأ. وقيل : مناسبة ذلك أنهم لما استعجلوا بالسيئة نبه على علمه بجميع المعلومات، وأنه إنما نزل العذاب بحسب ما يعلم كونه مصلحة. قال ابن عطية : قص في هذا المثل المنبه عل قدرة الله القاضية بتجويز البعث، فمن ذلك الواحدة من الجنس التي هي مفاتيح الغيب يعني : التي لا يعلمها إلا هو، وما تحمله الإناث من النطفة من كل نوع من الحيوان. وهذا البدء يبين أنه لا يتعذر على القادر عليها الإعادة. والله يعلم : كلام مستأنف مبتدأ وخبر، ومن فسر الهادي بالله جاز أن يكون الله خبر مبتدأ محذوف أي : هو الله تعالى، ثم ابتدأ إخباراً عنه فقال : يعلم. ويعلم هنا متعدية إلى واحد، لأنه لا يراد هنا النسبة، إنما المراد تعلق بالمفردات. وما جوزوا أن تكون بمعنى الذي، والعائد عليها في صلاتها محذوف، ويكون تغيض متعدياً. وأن تكون مصدرية، فيكون تغيض وتزداد لا زمان. وسماع تعديتهما ولزومهما ثابت من كلام العرب. وأن تكون استفهاماً مبتدأ، وتحمل خبره ويعلم متعلقه، والجملة في موضع المفعول. وتحمل هنا من حمل البطن، لا من الحمل على الظهر. وفي مصحف أبي : ما تحمل كل أنثى، وما تضع وتحمل على التفسير، لأنها زيادة لم تثبت في سواد المصحف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦