يا رب إني ناشد محمداحلف أبينا وأبيه الأتلدا
كنت لنا أباً وكنا ولداثمت أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصراً عبداوادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجرداأبيض مثل الشمس ينمو صعدا
إن سيم خسفاً وجهه تريدافي فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشاً أخلفوك الموعداونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست تدعو أحداوهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالحطيم هجداوقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"لا نصرت إنْ لم أنصركم" فتجهز إلى مكة وفتحها سنة ثمان، ثم خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا الأراجيف، فجعل المشركون ينقضون عهودهم، فأمره الله تعالى بإلقاء عهدهم إليهم، وأذن في الحرب فسيحوا أمر إباحة، وفي ضمنه تهديد وهو التفات من غيبة إلى خطاب أي : قلْ لهم سيحوا. يقال : ساح سياحة وسوحاً وسيحاناً، ومنه سيح الماء وهو الجاري المنبسط. وقال طرفة :
لو خفت هذا منك ما نلتنيحتى ترى خيلاً أمامي تسيح
قال ابن عباس والزهري : أول الأشهر شوال حتى نزلت الآية، وانقضاؤها انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين، فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم النزول، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان. وقال السدّي وغيره : أولها يوم الأذان، وآخرها العشر من ربيع الآخر. وقيل : العشر من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك
الوقت للنسيء الذي كان فيهم، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة غير معجزي الله لا تفوتونه وإنْ أملهكم وهو مخزيكم أي : مذلكم في الدنيا بالقتل والأسر والنهب، وفي الآخرة بالعذاب. وحكى أبو عمرو عن أهل نجران : أنهم يقرأون من الله بكسر النون على أصل التقاء الساكنين، واتباعاً لكسرة النون. ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِا إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِى ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَا وَرَسُولُهُا﴾ قرأ الضحاك وعكرمة وأبو المتوكل : وإذن بكسر الهمزة وسكون الذال. وقرأ الحسن والأعرج : إن الله بكسر الهمزة فالفتح على تقدير بأنّ، والكسر على إضمار القول على مذهب البصريين، أو لأنّ الأذان في معنى القول فكسرت على مذهب الكوفيين. وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وزيد بن علي : ورسوله بالنصب، عطفاً على لفظ اسم أنْ. وأجاز الزمخشري أنْ ينتصب على أنه مفعول معه. وقرىء بالجر شاذاً، ورويت عن الحسن. وخرجت على العطف على الجوار كما أنهم نعتوا وأكدوا على الجوار. وقيل : هي واو القسم. وروي أن أعرابياً سمع منم يقرأ بالجر فقال : إنْ كان الله بريئاً من رسوله فأنا منه بريء، فلببه القارىء إلى عمر، فحكى الأعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعليم العربية. وأما قراءة الجمهور بالرفع فعلى الابتداء، والخبر محذوف أي : ورسوله بريء منهم، وحذف لدلالة ما قبله عليه. وجوزوا فيه أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في بريء، وحسنه كونه فصل بقوله : من المشركين، بين متحمله، والمعطوف. ومن أجاز العطف على موضع اسم إنّ المكسورة أجاز ذلك، مع أنّ المفتوحة. ومنهم من أجاز ذلك مع المكسورة، ومنع مع المفتوحة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢
قال ابن عطية : ومذهب الأستاذ يعني أبا الحسن بن الباذش على مقتضى كلام سيبويه : أنْ لا موضع لما دخلت عليه إنَّ لا موضع لما دخلت عليه هذه انتهى. وهذا كلام فيه تعقب، لأنّ علة كون إنّ موضع لما دخلت عليه، ليس ظهور عمل العامل، بدليل ليس زيد بقائم، وما في الدار من رجل، فإنه ظهر عمل العامل، ولهما موضع. وقوله : والإجماع إلى آخره يريد : أنّ ليت لا موضع لها من الإعراب بالإجماع، وليس كذلك، لأنّ الفراء خالف وجعل حكم ليت ولعل وكان ولكن، وأنّ حكم إنّ في كون اسمهن له موضع. وإعراب وأذان كإعراب براءة على الوجهين، ثم الجملة معطوفة على مثلها ولا وجه لقول من قال : إنه معطوف على براءة، كما لا يقال عمرو معطوف على زيد في زيد قام وعمرو قاعد.
والأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أنّ الأمان والعطاء يستعملان بمعنى الإيمان والإعطاء، ويضعف جعله خيراً عن. وأذان إذا أعربناه مبتدأ، بل الخبر قوله : إلى الناس. وجاز الابتداء بالنكرة لأنها وصفت بقوله : من الله ورسوله. ويوم منصوب بما يتعلق به إلى الناس، وقد أجاز بعضهم نصبه بقوله : وأذان، وهو بعيد من جهة أنّ المصدر إذا وصف قبل أخذه معموله لا يجوز إعماله فيما بعد الصفة، ومن جهة أن لا يجوز أنْ يخبر عنه إلا بعد أخذه معموله، وقد أخبر عنه بقوله : إلى الناس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢
لما كان سنة تسع أراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنْ يحج، فكره أنْ يرى المشركين يطوفون عراة، فبعث أبا بكر أميراً على الموسم، ثم أتبعه علياً ليقرأ هذه


الصفحة التالية
Icon