قال ابن عطية : والمعقبات على هذا حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، قال : والآية على هذا في الرؤساء الكافرين. واختار هذا القول الطبري، وهو قول عكرمة وجماعة. وقال الضحاك : هو السلطان المحرس من أمر الله انتهى. وحذف لا، لا في الجواب قسم بعيد. قال المهدوي : ومن جعل المعقبات الحرس فالمعنى : يحفظونه من الله على ظنه وزعمه. وقيل : الضمير في له عائد على الله تعالى أي : لله معقبات ملائكة من بين يدي العبد ومن خلفه، والمعقبات على هذا الملائكة الحفظة على العباد وأعمالهم، والحفظة لهم أيضاً. وروي فيه حديث عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو قول مجاهد والنخعي. وقيل : الضمير في له عائد على الرسول صلى الله عليه وسلّم وإن لم يجر له ذكر قريب، وقد جرى ذكره في قوله :﴿وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِا﴾ والمعنى : أنّ الله تعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلّم حفظة من متمردي الجن والإنس. قال أبو زيد : الآية في النبي صلى الله عليه وسلّم نزلت في حفظ الله له من أربد بن قيس، وعامر بن الطفيل، من القصة التي سنشير إليها بعد في ذكر الصواعق. والقول الأول في عود الضمير هو الأولى الذي ينبغي أن يحمل عليه وعليه يفسر. ويقول : لما تقدم أنّ من أسر القول ومن جهر به، ومن استخفى بالليل وسرب بالنهار، مستوفي علم الله تعالى لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، ذكر أيضاً أن لذلك المذكور معقبات : جماعات من الملائكة تعقب في حفظه وكلاءته. ومعقب : وزنه مفعل، من عقب الرجل إذا جاء على عقب الآخر، لأن بعضهم يعقب بعضاً، أو لأنهم يعقبون ما يتكلمون به فيكتبونه. وقال الزمخشري : والأصل معتقبات، فأدغمت التاء في القاف كقوله :﴿وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ يعني المعتذرون. ويجوز معقبات بكسر العين، ولم يقرأ به انتهى. وهذا وهم فاحش، لا تدغم التاء في القاف، ولا القاف في التاء، لا من كلمة ولا من كلمتين. وقد نص التصريفيون على أنْ القاف والكاف يدغم كل منهما في الآخر، ولا يدغمان في غيرهما، ولا يدغم غيرهما فيهما. وأما تشبيهه بقوله : وجاء المعذرون، فلا يتعين أن يكون أصله المعتذرون، وقد تقدم في براءة توجيهه، وأنه لا يتعين ذلك فيه. وأما قوله : ويجوز معقبات بكسر العين، فهذا لا يجوز لأنه بناه على أن أصله معتقبات، فأدغمت التاء في القاف. وقد ذكرنا أن ذلك وهم فاحش، والمعقبات جمع معقبة. وقيل : الهاء في معقبة للمبالغة، فيكون كرجل نسابة. وقيل : جمع معقبة، وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى، جمعت باعتبار كثرة الجماعات، ومعقبة ليست جمع معقب كما ذكر الطبري. وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات، وليس الأمر كما ذكر، لأنّ ذلك كجمل وجمال وجمالات، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضارب وضاربات قاله : ابن عطية. وينبغي أن يتأول كلام الطبري على أنه أراد بقوله : جمع معقب، أنه أطلق من حيث الاستعمال على جمع معقب وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث معقب، وصار مثل الواردة للجماعة الذين يردون، وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث وارد، من حيث أنْ يجمع جموع التكسير للعامل يجوز أن يعامل معاملة المفردة المؤنثة في الأخبار. وفي عود الضمير لقوله : العلماء قائلة كذا، وقولهم الرجال وأعضادها، وتشبيه الطبري ذلك برجل ورجالات من حيث المعنى، لا من حيث
٣٧١
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦