﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةًا وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـاَايَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ﴾ : قال الكلبي : عيرت اليهود الرسول صلى الله عليه وسلّم وقالوا : ما ترى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فنزلت هذه الآية. قيل : وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ، فرد الله تعالى عليهم بأنّ الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية، وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم، ولا يأتون بما يقترح عليهم. ومن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب فيه على العباد أي : يفرض عليهم ما يريده تعالى. وقوله : لكل أجل كتاب، لفظ عام في الأشياء التي لها آجال، لأنه ليس منها شيء إلا وله أجل في بدئه وفي خاتمته، وذلك الأجل مكتوب محصور. وقال الضحاك والفراء : المعنى لكل كتاب أجل، ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه، إذ ثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية كالجنة ونعيم أهلها، لا أجل لها. والظاهر أنّ المحو عبارة عن النسخ من الشرائع والأحكام، والإثبات عبارة عن دوامها وتقريرها وبقائها أي :
٣٩٧
يمحو ما يشاء محوه، ويثبت ما يشاء إثباته. وقيل : هذا عام في الرزق والأجل والسعادة والشقاوة، ونسب هذا إلى : عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، والضحاك، وابن جريج، وكعب الأحبار، والكلبي. وروي عن عمر، وابن مسعود، وأبي وائل في دعائهم ما معناه : أنْ يتأول على أن المعنى : إنْ كنت أشقيتنا بالمعصية فامحها عنا بالمغفرة. ومعلوم أنّ الشقاء والسعادة والرزق والخلق والأجل لا يتغير شيء منها. وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء من أمور عباده إلا السعادة والشقاوة والآجال، فإنه لا محو فيها. وقال الحسن وفرقة : هي آجال بني آدم تكتب في ليلة القدر. وقيل : في ليلة نصف شعبان آجال الموتى، فتمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الأموات. وقال قيس بن عباد : في العاشر من رجب يمحو الله ما يشاء ويثبت. وقال ابن عباس : والضحاك : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتب كل قول وفعل، ويثبت غيره. وقيل : يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة، ويثبت إيمانهم وطاعتهم. وقيل : يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضاً من الأناسي، وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها. وقال الزمخشري : يمحو الله ما يشاء، ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت به له ما يرى المصلحة في اتباعه، أو يتركه غير منسوخ، والكلام في نحو هذا واسع المجال انتهى. وهو وقول : قتادة، وابن جبير، وابن زيد قالوا : يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه. وقال مجاهد : يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، إلا الحياة والموت والشقاوة والسعادة. وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه. وقال ابن جبير أيضاً : يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. وقال عكرمة : يمحو يعني بالتوبة جميع الذنوب، ويثبت بدل الذنوب حسنات. قال تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
﴿إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَأُوالَئاِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْـاًا﴾ وقيل : ينسى الحفظة من الذنوب ولا ينسى. وقال الحسن : يمحو الله ما يشاء أجله، ويثبت من يأتي أجله. وقال السدي : يمحو الله يعني القمر، ويثبت يعني الشمس بيانه ﴿فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon