وقرأ جناح بن حبيش : وسيعلم الكافر مبنياً للمعفول من أعلم أي : وسيخبر. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو : الكافر على الإفراد والمراد به الجنس، وباقي السبعة الكفار جمع تكسير، وابن مسعود : الكافرون جمع سلامة وأبي الذين كفروا، وفسر عطاء الكافر بالمستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون. وقال ابن عباس : يريد بالكافر أبا جهل. وينبغي أن يحمل تفسيره عطاء على التمثيل، لأنّ الإخبار بعلم الكافر لمن عقبى الدار معنى يعم جميع الكفار، ولما قال الكفار : لست مرسلاً أي : إنما أنت مدع ما ليس لك، أمره تعالى أن يكتفي بشهادة الله تعالى بينهم، إذ قد أظهر على يديه من الأدلة على رسالته ما في بعضها كفاية لمن وفق، ثم أردف شهادة الله بشهادة من عنده علم الكتاب. والكتاب هنا القرآن، والمعنى : إنّ من عرف ما ألف فيه من المعاني الصحيحة والنظم المعجز الفائت لقدر البشر يشهد بذلك. وقيل : الكتاب التوراة والإنجيل، والذي عنده علم الكتاب : من أسلم من علمائهم، لأنهم يشهدون نعته عليه الصلاة والسلام في كتبهم. قال قتادة، كعبد الله بن سلام، وتميم الداري، وسلمان الفارسي. وقال مجاهد : يريد عبد الله بن سلام خاصة. وهذان القولان لا يستقيمان إلا على أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية. وقال محمد بن الحنفية، والباقر : هو علي بن أبي طالب. وقيل : جبريل، والكتاب اللوح المحفوظ. وقيل : هو الله تعالى قاله : الحسن، وابن جبير والزجاج، وعن الحسن : لا والله ما يعني إلا الله، والمعنى : كفى بالذي يستحق العبادة، وبالذي لا يعلم ما في اللوح إلا هو شهيداً بيني وبينكم. قال ابن عطية : ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز، وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض انتهى. وليس ذلك كما زعم من عطف الصفة على الموصوف، لأنّ من لا يوصف بها ولا لشيء من الموصولات إلا بالذي والتي وفروعهما، وذو وذوات الطائيتين. وقوله : وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض ليس على إطلاقه، بل له شرط وهو أن تختلف مدلولاتها. ويعني ابن عطية : لا تقول مررت بزيد. والعالم فتعطف، والعالم على الاسم وهو علم لم يلحظ منه معنى صفة، وكذلك الله علم. ولما شعر بهذا الاعتراض من جعله معطوفاً على الله قدر قوله : بالذي يستحق العبادة، حتى يكون من عطف الصفات بعضها على بعض، لا من عطف الصفة
٤٠١
على الاسم. ومن في قراءة الجمهور في موضع خفض عطفاً على لفظ الله، أو في موضع رفع عطفاً على موضع الله، إذ هو في مذهب من جعل الباء زائدة فاعل بكفى. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره : أعدل وأمضى قولاً ونحو هذا مما يدل عليه لفظة شهيداً، ويراد بذلك الله تعالى. وقرىء : وبمن بدخول الباء على من عطفاً على بالله. وقرأ علي وأبي وابن عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن بن أبي بكرة والضحاك وسالم بن عبد الله بن عمرو بن أبي إسحاق، ومجاهد، والحكم، والأعمش : ومن عنده علم الكتاب بجعل من حرف جر، وجر ما بعده به، وارتفاع علم بالابتداء، والجار والمجرو في موضع الجر. وقرأ علي أيضاً وابن السميقع، والحسن بخلاف عنه. ومن عنده بجعل من حرف جر علم الكتاب، بجعل علم فعلاً مبنياً للمفعول، والكتاب رفع به. وقرىء ومن عنده بحرف جر علم الكتاب مشدداً مبنياً للمفعول، والضمير في عنده في هذه القراآت الثلاث عائد على الله تعالى. وقال الزمخشري في القراءة التي وقع فيها عنده صلة برتفع العلم بالمقدر في الظرف فيكون فاعلاً، لأنّ الظرف إذا وقع صلة أو غل في شبه الفعل لاعتماده على الموصول، فعمل على الفعل كقولك : مررت بالذي في الدار أخوه، فأخوه فاعل، كما تقول : بالذي استقر في الدار أخوه انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري ليس على وجه التحتم، لأنّ الظرف والجار والمجرور إذا وقعا صلتين أو حالين أو خبرين، إما في الأصل، وإما في الناسخ، أو تقدمهما أداة نفي، أو استفهام، جاز فيما بعدهما من الاسم الظاهر أن يرتفع على الفاعل وهو الأجود، وجاز أن يكون ذلك المرفوع مبتدأ، والظرف أو الجار والمجرور في مضوع رفع خبره، والجملة من المبتدأ والخبر صلة أو صفة أو حال أو خبر، وهذا مبني على اسم الفاعل. فكما جاز ذلك في اسم الفاعل، وإن كان الأحسن إعماله في الاسم الظاهر، فكذلك يجوز في ما ناب عنه من ظرف أو مجرور. وقد نص سيبويه على إجازة ذلك في نحو : مررت برجل حسن وجهه، فأجاز حسن وجهه على رفع حسن على أنه خبر مقدم، وهكذا تلقفنا هذه المسألة عن الشيوخ. وقد يتوهم بعض النشأة في النحو أن اسم الفاعل إذا اعتمد على شيء مما ذكرناه يتحتم إعماله في الظاهر، وليس كذلك. وقد أعرب الحوفي عنده علم الكتاب مبتدأ وخبراً في صلة من. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون خبراً يعني عنده، والمبتدأ علم الكتاب انتهى. ومن قرأ : ومن عنده، على أنه حرف جر فالكتاب في قراءته هو القرآن، والمعنى : أنه تعالى من جهة فضله وإحسانه علم الكتاب، أو علم الكتاب على القراءتين، أي : علمت معانيه وكونه أعظم المعجزات الباقي على مر الأعصار، فتشريف العبد بعلوم القرآن إنما ذلك من إحسان الله تعالى إليه وتوفيقه على كونه معجزاً، وتوفيقه لإدراك ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon