﴿قُل لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَـاوةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ : لما ذكر تعالى حال الكفار وكفرهم نعمته، وجعلهم له أنداداً، وتهددهم أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم، وإلزام عمودي الإسلام الصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة. ومعمول قل، محذوف تقديره : أقيموا الصلاة يقيموا. ويقيموا مجزوم على جواب الأمر، وهذا قول : الأخفش، والمازني. ورد بأنه لا يلزم من القول إنْ
٤٢٥
يقيموا، ورد هذا الردّ بأنه أمر المؤمنين بالإقامة لا الكافرين، والمؤمنون متى أمرهم الرسول بشيء فعلوه لا محالة. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون يقيموا جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله : قل وذلك أن تجعل قل في هذه الآية بمعنى بلّغ وأدّ الشريعة يقيموا الصلاة انتهى. وهذا قريب مما قبله، إلا أن في ما قبله معمول القول : أقيموا، وفي هذه الشريعة على تقدير بلِّغ الشريعة. وذهب الكسائي والزجاج وجماعة إلى أن معمول قل هو قوله : يقيموا، وهو أمر مجزوم بلام الأمر محذوفة على حد قول الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
محمد تفد نفسك كل نفس
أنشده سيبويه إلا أنه قال : إنّ هذا لا يجوز إلا في الشعر. وقال الزمخشري في هذا القول : وإنما جاز حذف اللام لأن الأمر الذي هو قل، عوض منه. ولو قيل : يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام، لم يجز انتهى. وذهب المبرد إلى أنّ التقدير : قل لهم أقيموا يقيموا، فيقيموا المصرح به جواب أقيموا المحذوف قيل. وهو فاسد لوجهين : أحدهما : أنّ جواب الشرط يخالف الشرط إما في الفعل، أو في الفاعل، أو فيهما. فأما إذا كان مثله فيما فهو خطأ كقولك : قم يقم، والتقدير على هذا الوجه : أن يقيموا يقيموا. والوجه الثاني : أن الأمر المقدر للمواجهة ويقيموا على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحداً. وقيل : التقدير أن تقل لهم أقيموا يقيموا قاله سيبويه فيما حكاه ابن عطية. وقال الفراء : جواب الأمر معه شرط مقدر تقول : أطع الله يدخلك الجنة، أي إن تطعه يدخلك الجنة. ومخالفة هذا القول للقول قبله أنَّ الشرط في هذا مقدر بعد فعل الأمر، وفي الذي قبله الأمر مضمن معنى الشرط. وقيل : هو مضارع بلفظ الخبر صرف عن لفظ الأمر، والمعنى : أقيموا، قاله أبو علي فرقة. ورد بأنه لو كان مضارعاً بلفظ الخبر ومعناه الأمر، لبقي على إعرابه بالنون كقوله :﴿هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَـارَةٍ﴾ ثم قال :﴿تُؤْمِنُونَ﴾ والمعنى : آمنوا. واعتل أبو علي لذلك بأنه لما كان بمعنى الأمر بني يعني : على حذف النون، لأن المراد أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في
٤٢٦
النداء في قولك : يا زيد، يعني على الضمة لما شبه بقبل وبعد انتهى، ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق، إلا في قول ابن عطية فمتعلقه الشريعة فهو أعم، إذ قدر قُلْ بمعنى بلِّغ وأدّ الشريعة. قال ابن عطية : ويظهرأن المقول هو الآية التي بعد أعني قوله : الله الذي خلق السموات والأرض انتهى. وهذا الذي ذهب إليه من كون معمول القول هو قوله تعالى الله الذي الآية تفكيك للكلام، يخالفه ترتيب التركيب، ويكون قوله : يقيموا الصلاة كلاماً مفلتاً من القول ومعموله، أو يكون جواباً فصل به بين القول ومعموله، ولا يترتب أن يكون جواباً، لأن قوله : الله الذي خلق السموات والأرض، لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جداً. واحتمل الصلاة أنْ يراد بها العموم أي : كل صلاة فرض وتطوع، وأن يراد بها الخمس، وبذلك فسرها ابن عباس. وفسر الإنفاق بزكاة الأموال. وتقدم إعراب ﴿سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾ وشرحها في أواخر البقرة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
وقال أبو عبيدة : البيع هنا البذل، والخلال المخالة، وهو مصدر من خاللت خلالاً ومخالة وهي المصاحبة انتهى. ويعني بالبذل مقابل شيء. وقال امرؤ القيس :
صرفت الهوى عنهن من خشية الردىولست بمقلي الخلال ولا قال


الصفحة التالية
Icon