وقومه يعبدون الأصنام. ومعنى أضللنا : كنا سبباً لإضلال كثير من الناس، والمعنى : أنهم ضلوا بعبادتها، كما تقول : فتنتهم الدنيا أي : افتتنوا بها، واغتروا بسببها. وقرأ الجحدري، وعيسى الثقفي : وأجنبني من أجنب، وأنث الأصنام لأنه جمع ما لا يعقل يخبر عنه أخبار المؤنث كما تقول : الأجذاع انكسرت. والأخبار عنه أخبار جمع العاقل المذكر بالواو ومجاز نحو قوله : فقد ضلوا كثيراً. فمن تبعني أي : على ديني وما أنا عليه، فإنه مني. جعله لفرط الاختصاص به وملابسته كقوله :"من غشنا فليس منا" أي ليس بعض المؤمنين تنبيهاً على تعظيم الغش بحيث هو يسلب الغاش الإيمان، والمعنى : أن الغش ليس من أوصاف أهل الإيمان. ومن عصاني، هذا فيه طباق معنوي، لأن التبعية طاعة فقوله : فإنك غفور رحيم. قال مقاتل : ومن عصاني فيحادون الشرك. وقال الزمخشري : تغفر لي ما سلف من العصيان إذا بدا لي فيه واستحدث الطاعة. قال ابن عطية : ومن عصاني ظاهره بالكفر لمعادلة قوله : فمن تبعني فإنه مني، وإذا كان كذلك فقوله : فإنك غفور رحيم معناه حين يؤمنوا، لأنه أراد أن الله يغفر لكل كافر، لكنه حمله على هذه العبارة ما كان يأخذ نفسه به من القول الجميل والنطق الحسن وجميل الأدب صلى الله عليه وسلّم. وكذلك قال نبي الله عيسى عليه السلام :﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
﴿رَّبَّنَآ إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَواةَ فَاجْعَلْ أَفْـاِدَةً مَّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ : كرر النداء رغبة في الإجابة وإظهاراً للتذلل، والالتجاء إلى الله تعالى. وأتى بضمير جماعة المتكلمين، لأنه تقدم ذكره. وذكر بنيه في قوله : واجنبني وبنى، ومن ذريتي هو إسماعيل ومن ولد منه. وذلك هاجر لما ولدت إسماعيل غارت منها سارة، فروى أنه ركب البراق هو وهاجر والطفل، فجاء في يوم واحد من الشام إلى مكة، فنزل وترك ابنه وأمته هنالك، وركب منصرفاً من يومه ذلك، وكان هذا كله بوحي من الله تعالى، فلما ولي دعا بما في ضمن هذه الآية. وأما كيفية بقاء هاجر وما جرى لها ولاسماعيل هناك ففي كتاب البخاري والسير وغيره. ومِن للتبعيض، لأنّ إسحاق كان في الشام، والوادي ما بين الجبلين، وليس من شرطه أن يكون فيه ماء، وإنما قال : غير ذي زرع، لأنه كان علم أن الله لا يضيع هاجر وابنها في ذلك الوادي، وأنه يرزقها الماء، وإنما نظر النظر البعيد فقال : غير ذي زرع، ولو لم يعلم ذلك من الله تعالى لقال : غير ذي ماء، على ما كانت عليه حال الوادي عند ذلك. قال ابن عطية : وقد يقال إن انتفاء كونه ذا زرع مستلزم لانتفاء الماء الذي لا يمكن أن يوجد زرع إلا حيث وجد الماء، فنفى ما يتسبب عن الماء وهو الزرع لانتفاء سببه وهو الماء. وقال الزمخشري : بواد هو
٤٣١


الصفحة التالية
Icon