وقال الزمخشري : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وإن عظم مكرهم وتتابع في الشدة بضرب زوال الجبال منه مثلاً لتفاقمه وشدته أي : وإن كان مكرهم مستوٍ لإزالة الجبال معداً لذلك. وقال ابن عطية : ويحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم أي : وإن كان شديداً بما يفعل ليذهب به عظام الأمور انتهى. وعلى تخريج هذين تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وكان هي الناقصة. وعلى هذا التخريج تتفق معاني القراءات أو تتقارب، وعلى تخريج النفي تتعارض كما ذكرنا. وقرىء لتزول بفتح اللام الأولى ونصب الثانية، وذلك على لغة من فتح لام كي. والذي يظهر أنّ زوال الجبال مجاز ضرب مثلاً لمكر قري٥، وعظمه والجبال لا تزول، وهذا من باب الغلو والإيغال والمبالغة في ذم مكرهم. وأما ما روي أن جبلاً زال يحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذباً مات، فحملها للحلف، فمكرت بأن رمت نفسها عن الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه عن الدابة، فأركبها زوجها وذلك الرجل، وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما، فنزلت سالمة، وأصبح الجبل قد اندك، وكانت المرأة من عدنان. وما روي من قصة النمرود أو بخت نصّر، واتخاذ الأنسر وصعودهما عليها إلى قرب السماء في قصة طويلة. وما تأول بعضهم أنه عبر بالجبال عن الإسلام، والقرآن لثبوته ورسوخه، وعبر بمكرهم عن اختلافهم فيه من قولهم : هذا سحر هذا شعر هذا إفك، فأقوال ينبو عنها ظاهر اللفظ، وبعيد جداً قصة الأنسر. والنهي عن الحسبان كهو في قوله :﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَـافِلا﴾ وأطلق الحسبان على الأمر المتحقق هنا كما قال الشاعر :
فلا تحسبن أني أضل منيتيفكل امرىء كأس الحِمام يذوق
وهذا الوعد كقوله تعالى :﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا﴾ ﴿كَتَبَ اللَّهُ لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى ﴾ وقرأ الجمهور بإضافة مخلف إلى وعده، ونصب رسله. واختلف في إعرابه فقال الجمهور. الفراء، وقطرب، والحوفي، والزمخشري، وابن عطية، وأبو البقاء : إنه مما أضيف فيه اسم الفاعل إلى المفعول الثاني كقولهم : هذا معطي درهم
٤٣٨
زيداً، لما كان يتعدى إلى اثنين جازت إضافته إلى كل واحد منهما، فينتصب ما تأخر. وأنشد بعضهم نظيراً له قول الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon