وبرزوا : أي ظهر. وألا يواريهم بناء ولا حصن، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري، أو معمولا لمخلف وعده. وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي. وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون ظرفاً فالمخلف ولا لوعده، لأنّ ما قبل أنْ لا يعمل فيما بعدها، ولكن جوز أن يلحق من معنى الكلام ما يعمل في الظرف أي : لا يخلف وعده يوم تبدل انتهى. وإذا كان إن وما بعدها اعتراضاً، لم يبال أنه فصلاً بين العامل والمعمول، أو معمولاً لانتقام قاله : الزمخشري، والحوفي، وأبو البقاء، أولاً ذكر قاله أبو البقاء. وقرىء : نبدل بالنون الأرض بالنصب، والسموات معطوف على الأرض، وثم محذوف أي : غير السموات، حذف لدلالة ما قبله عليه. والظاهر استئناف. وبرزوا. وقال أبو البقاء يجوز أن يكون حالاً من الأرض، وقد معه مزادة. ومعنى لله : لحكم الله، أو لموعوده من الجنة والنار. وقرأ زيد بن علي : وبرزوا بضم الباء وكسر الراء مشددة جعله مبنياً للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم، لا بالنسبة إلى تكرير الفعل. وجيء بهذين الوصفين وهما : الواحد وهو الواحد الذي لا يشركه أحد في ألوهيته، ونبه به على أنّ آلهتهم في ذلك اليوم لا تنفع. والقهار وهو الغالب لكل شيء، وهذا نظير قوله تعالى :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾. وترى المجرمين يومئذ يوم إذ تبدل، وبرزوا مقرنين مشدودين في القرن أي : مقرون بعضهم مع بعض في القيود والأغلال، أو مع شياطينهم، كل كافر مع شيطانه في غل أو تقرن أيديهم إلى أرجلهم مغللين. والظاهر تعلق في الأصفاد بقوله : مقرنين أي : يقرنون في الأصفاد. ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمقرنين، وفي موضع الحال، فيتعلق بمحذوف كأنه قيل : مستقرين في الأصفاد. وقال الحسن : ما في جهنم واد، ولا مفازة، ولا قيد، ولا سلسلة، إلا اسم صاحبه مكتوب عليه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
وقرأ علي، وأبو هريرة، وابن عباس، وعكرمة، وابن جبير، وابن سيرين، والحسن، بخلاف عنه. وسنان بن سلمة بن المحنق، وزيد بن علي، وقتادة، وأبو صالح، والكلبي، وعيسى الهمداني، وعمرو بن فائد، وعمرو بن عبيد من قطر بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، أنّ اسم فاعل من أني صفة لقطر. قيل : وهو القصدير، وقيل : النحاس. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : ليس بالقطران، ولكنه النحاس يصير بلونه. والآتي الذائب الحار الذي قد تناهى حره. قال الحسن : قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت، فتناهى حره. وقال ابن عباس : أي آن أن يعذبوا به يعني : حان تعذيبهم به. وقال الزمخشري : ومن شأنه. أي : القطران، أن يسرع فيه اشتعال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص، لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح. على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله، أو أوعد به في الآخرة، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى. وقرأ عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب : من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء، وهو في شعر أبي النجم قال : لبسنه القطران والمسوحا. وقرأ الجمهور : وتغشى وجوههم بالنصب، وقرىء بالرفع، فالأول على نحو قوله :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ فهي على
٤٤٠
حقيقة الغشيان، والثانية على التجوز، جعل ورود الوجه على النار غشياناً. وقرىء : وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى، وخص الوجوه هنا. وفي قوله :﴿أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِا سُواءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه، ولذلك قال :﴿تَطَّلِعُ عَلَى الافْاِدَةِ﴾. وليجزي متعلق بمحذوف تقديره : يفعل بالمجرمين ما يفعل، ليجزي كل نفس أي : مجرمة بما كسبت، أو كل نفس من مجرمة ومطيعة : لأنه إذا عاقبت المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم، قاله الزمخشري. ويظهر أنها تتعلق بقوله : وبرزوا أي : الخلق كلهم، ويكون كل نفس عاماً أي : مطيعة ومجرمة، والجملة من قوله : وترى، معترضة. وقال ابن عطية : اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره : فعل هذا، أو أنفذ هذا العقاب على المجرمين ليجزي في ذلك المسيء على إساءته انتهى. والإشارة بهذا إلى ما ذكر به تعالى من قوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا﴾ إلى قوله :﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وقيل : الإشارة إلى القرآن، وقيل : إلى السورة. ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير، ولينذروا به. قال الماوردي : الواو زائدة، وعن المبرد : هو عطف مفرد أي : هذا بلاغ وإنذار انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقيل : هو محمول على المعنى أي : ليبلغوا ولينذروا. وقيل : اللام لام الأمر. قال بعضهم : وهو حسن لولا قوله : وليذكر، فإنه منصوب لا غير انتعهى. ولا يخدش ذلك، إذ يكون وليذكر ليس معطوفاً على الأمر، بل يضمر له فعل يتعلق به. وقال ابن عطية : المعنى هذا بلاغ للناس، وهو لينذروا به انتهى. فجعله في موضع رفع خبراً لهو المحذوفة. وقال الزمخشري : ولينذروا معطوف على محذوف أي : لينصحوا ولينذروا به بهذا البلاغ انتهى. وقرأ مجاهد، وحميداً بتاء مضمومة وكسر الذال، كان البلاغ العموم، والإنذار للمخاطبين. وقرأ يحيى بن عمارة : الذراع عن أبيه، وأحمد بن زيد بن أسيد السلمي : ولينذروا بفتح الياء والذال، مضارع نذر بالشيء إذا علم به فاستعد له. قالوا : ولم يعرف لهذا الفعل مصدر، فهو مثل عسى وغيره مما استعمل من الأفعال ولم يعرف له أصل. وليعلموا لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعاهم ذلك إلى النظر، فيتوصلون إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، إذ الخشية أصل الخير. وليذكر أي : يتعظ ويراجع نفسه بما سمع من المواعظ. وأسند التذكر والاتعاظ إلى من له لب، لأنهم هم الذين يجدي فيهم التذكر. وقيل : هي في أبي بكر الصديق. وناسب مختتم هذه السورة مفتتحها، وكثيراً ما جاء في سور القرآن، حتى أنّ بعضهم زعم أن قوله : ولينذروا به معطوف على قوله : لتخرج الناس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon