﴿وَقَالُوا يَـا أَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَئاِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلَئاِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَـافِظُونَ﴾ : قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن أمية، والنضر بن الحرث، ونوفل بن خويلد، والوليد بن المغيرة. وقرأ زيد بن علي : نزل عليه الذكر ماضينا مخففاً مبنياً للفاعل. وقرأ : يا أيها الذي ألقي إليه الذكر، وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسيراً، لأنها مخالفة لسواد المصحف. وهذا الوصف بأنه الذي نزل عليه الذكر قالوه على جهة الاستهزاء والاستخفاف، لأنهم لا يقرون بتنزيل الذكر عليه، وينسبونه إلى الجنون، إذ لو كان مؤمناً برسالة موسى وما أخبر عنه بالجنون. ثم اقترحوا عليه أن يأتيهم بالملائكة شاهدين لصدقك وبصحة دعواك وإنذارك كما قال :﴿لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ فيكون معه نذيراً أو معاقبين على تكذيبك، كما كانت تأتي الأمم المكذبة. وقرأ الحرميان والعربيان : ما تنزل مضارع تنزل أي : ما تتنزل الملائكة بالرفع. وقرأ أبو بكر، ويحيى بن وثاب : ما تنزل بضم التاء وفتح النون والزاي الملائكة بالرفع. وقرأ الأخوان، وحفص، وابن مصرف : ما ننزل بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وكسر الزاي الملائكة بالنصب. وقرأ زيد بن علي : ما نزل ماضياً مخففاً مبنياً للفاعل الملائكة بالرفع. والحق هنا العذاب قاله الحسن، أو الرسالة قاله مجاهد، أو قبض الأرواح عند الموت قاله ابن السائب، أو القرآن ذكره الماوردي. وقال الزمخشري : ألا تنزلا ملتبساً بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أنْ تأتيكم عياناً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي صلى الله عليه وسلّم، لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار. وقال ابن عطية : والظاهر أنّ معناها : كما يجب ويحق من الوحي والمنافع التي أرادها الله تعالى لعباده، لا على اقتراح كافر، ولا باختيار معترض. ثم ذكر عادة الله في الأمم من أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في أثرها إنْ لم يؤمنوا، فكان الكلام ما تنزل الملائكة إلا بحق واجب لا باقتراحكم. وأيضاً فلو نزلت لم تنظروا بعد ذلك بالعذاب أي : تؤخروا والمعنى، وهذا لا يكون إذ كان في علم الله أنّ منهم من يؤمن، أو يلد من يؤمن.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤١
وقال الزمخشري : وادن جواب وجزاء، لأنه جواب لهم، وجزاء بالشرط مقدر تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين وما أخر عذبهم. ولما قالوا على سبيل الاستهزاء : يا أيها الذي نزل عليه الذكر، رد عليهم بأنه هو المنزل عليه، فليس من قبله ولا قبل أحد، بل هو الله تعالى الذي بعث به جبريل عليه السلام إلى رسوله، وأكد ذلك بقوله : إنا نحن، بدخول إنّ وبلفظ نحن. ونحن مبتدأ، أو تأكيد لاسم إنّ ثم قال : وإنا له لحافظون أي : حافظون له من الشياطين. وفي كل وقت تكفل تعالى بحفظه، فلا يعتريه زيادة ولا نقصان، ولا تحريف ولا تبديل، بخلاف غيره من الكتب المتقدمة، فإنه تعالى لم يتكفل حفظها بل قال تعالى :﴿ءَانٍ﴾ ولذلك وقع فيها الاختلاف. وحفظه إياه دليل على أنه من عنده تعالى، إذ لو كان من قول البشر لتطرق
٤٤٦
إليه ما تطرق لكلام البشر. وقال الحسن : حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة. وقيل : يحفظه في قلوب من أراد بهم خيراً حتى لو غير أحد نقطة لقال له الصبيان : كذبت، وصوابه كذا، ولم يتفق هذا لشيء من الكتب سواه. وعلى هذا فالظاهر أنّ الضمير في له عائد على الذكر، لأنه المصرح به في الآية، وهو قول الأكثر : مجاهد، وقتادة، وغيرهما. وقالت فرقة : الضمير في له عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي : يحفظه من أذاكم، ويحوطه من مكركم كما قال تعالى :﴿فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُا وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وفي ضمن هذه الآية التبشير بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى يظهر الله به الدين.