حتى إذا ما استقل النجم في غلس
وغودر البقل ملوى ومحصود أي ومنه ملوى، ومنه محصود، وذلك إنما يكون عند طلوع الثريا. وهم : ضمير غيبة خرج من الخطاب إلى الغيبة، كان الضمير النعت به إلى قريش إذ كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم، وكان لهم بذلك علم لم يكن لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم. وقدم المجرور على ما يتعلق به اعتناء ولأجل الفاصلة. والزمخشري على عادته كأنه قيل : وبالنجم خصوصاً هم يهتدون.
﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْـاًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍا وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌا فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَا إِنَّه لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ : ذكر تعالى التباين بين من يخلق وهو الباري تعالى، وبين من لا يخلق وهي الأصنام، ومن عبد ممن لا يعقل، فجدير أن يفرد بالعبادة من له الإنشاء دون غيره. وجيء بمن في الثاني لاشتمال المعبود غير الله على من يعقل وما لا يعقل، أو لاعتقاد الكفار أنّ لها تأثيراً وأفعالاً، فعوملت معاملة أولي العلم، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق، أو لتخصيصه بمن يعلم. فإذا وقعت البينونة بين الخالق وبين غير الخالق، من أولي العلم فكيف بمن لا يعلم البتة كقوله :﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾ أي : أن آلهتهم منحطة عن حال من له أرجل، لأنّ من له هذه حي، وتلك أموات، فكيف يصح أن يعبد لا أن من له رجل يصح أن يعبد ؟ قال الزمخشري :(فإن قلت) : هو إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق، فكان حق الإلزام أن يقال لهم : أفمن لا يخلق كمن يخلق ؟ (قلت) : حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له، وسووا بينه وبينه، فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق، ثم وبخهم بقوله : أفلا تذكرون، أي : مثل هذا لا ينبغي أن تقع فيه الغفلة. والنعمة يراد بها النعم لا نعمة واحدة، يدل على ذلك قوله تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّوا ﴾ وقوله :﴿لا تُحْصُوهَآ﴾ إذ ينتفي العدو الإحصاء في الواحدة، والمعنى : لا تحصوا عدها، لأنها لكثرتها خرجت عن إحصائكم لها، وانتفاء إحصائها يقتضي انتفاء القيام بحقها من الشكر. ولما ذكر نعماً سابقة أخبر أنّ جميع نعمه
٤٨١
لا يطيقون عدها. وأتبع ذلك بقوله : إن الله لغفور رحيم، حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعم، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. ولما كان الإنسان غير قادر على أداء شكر النعم، وأن له حالة يعرض فيها منه كفرانها قال في عقب الآية التي في ابراهيم :﴿إِنَّ الانسَـانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ أي لظلوم بترك الشكر كفار للنعمة. وفي هذه الآية ذكر الغفران والرحمة لطفاً به، وإيذاناً في التجاوز عنه. وأخبر تعالى أنه يعلم ما يسرون، وضمنه الوعيد لهم، والإخبار بعلمه تعالى. وفيه التنبيه على نفي هذه الصفة الشريفة عن آلهتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١