وقيل : تم الكلام عند قوله : ظالمي أنفسهم، ثم عاد الكلام إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة، فعلى هذا يكون قوله : قال الذين إلى قوله فألقوا، جملة اعتراضية بين الإخبار بأحوال الكفار ما كنا نعمل من سوء هو على إضمار القول أي : ونعتهم بحمل السوء، إما أن يكون صريخ كذب كما قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين، فقال تعالى : انظر كيف كذبوا على أنفسهم. وإما أن يكون المعنى : عند أنفسنا أي لو كان الكفر عند أنفسنا سواء ما علمناه. ويرجح الوجه الأول الرد عليهم ببلى، إذ لو كان ذلك على حسب اعتقادهم لما كان الجواب بلى، على أنه يصح على الوجه الثاني أن يرد عليهم ببلى، والمعنى : أنكم كذبتم في اعتقادكم أنه ليس بسوء، بل كنتم تعتقدون أنه سوء لأنكم تبينتم الحق وعرفتموه وكفرتم لقوله :﴿فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِا﴾ وقوله :﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ والظاهر أنّ هذا السياق كله هو مع أهل العلم والكفار، وإن أهل العلم هم الذين ردوا عليهم إخبارهم بنفي عمل السوء. ويجوز أن يكون الرد من الملائكة وهم الآمروهم بالدخول في النار، يسوقونهم إليها. وقيل : الخزنة، والظاهر الأبواب حقيقة. وقيل : المراد الدركات. وقيل : الأصناف كما يقال : فلان ينظر في باب من العلم أي صنف. وأبعد من قال : المراد بذلك عذاب القبر مستدلاً بما جاء "القبر روضة
٤٨٦
من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" ولما أكذبوهم من دعواهم أخبروا أنه هو العالم بأعمالهم، فهو المجازى عليها، ثم أمروهم بالدخول، واللام في فلبئس لام تأكيد، ولا تدخل على الماضي المنصرف، ودخلت على الجامد لبعده عن الأفعال وقربه من الأسماء. والمخصوص بالذم محذوف أي : فلبئس مثوى المتكبرين هي أي جهنم. ووصف التكبر دليل على استحقاق صاحبه النار، وذلك إشارة إلى قوله. ﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١
خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب، وخسفه الله يريد أذهبه في الأرض به. دخر دخوراً تصاغر، وفعل ما يؤمر شاء أو أبى. فقال ابن عطية : تواضع. قال ذو الرمة :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٧
فلم يبق إلا داخر في مجلسومنجحر في غير أرضك في جحر
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُم قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌا وَلَدَارُ الاخِرَةِ خَيْرٌا وَلَنِعْمَ دَارُ﴾ : تقدم إعراب ماذا، إلا أنه إذا كانت ذا موصولة لم يكن الجواب على وفق السؤال، لكون ماذا مبتدأ وخبر، أو الجواب نصب وهو جائز، ولكن المطابقة في الإعراب أحسن. وقرأ الجمهور : خيراً بالنصب أي : أنزل خيراً. قال الزمخشري : فإن قلت : لم نصب هذا، ورفع الأول ؟ قلت : فصلاً بين جواب المقر وجواب الجاحد، يعني : أنّ هؤلاء لما سئلوا : لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال مكشوفاً مفعولاً للإنزال فقالوا : خيراً، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين، وليس من الإنزال في شيء انتهى. وقرأ زيد بن علي : خير بالرفع أي : المنزل
٤٨٧


الصفحة التالية
Icon