أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل : إلهين اثنين، وقيل : إله واحد، وقال الزمخشري : الاسم الحامل لمعنى الإفراد أو التثنية دال على شيئين : على الجنسية، والعدد المخصوص. فإذا أردت الدلالة على أن المعنى به مبهم. والذي يساق به الحديث هو العدد شفع بما يؤكده، فدل به على القصد إليه والعناية به. ألا ترى أنك إذا قلت : إنما هو إله ولم تؤكده بواحد، لم يحسن، وخيل : أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية انتهى. والظاهر أن لا تتخذوا، تعدى إلى واحد واثنين كما تقدم تأكيد. وقيل : هو متعد إلى مفعولين، فقيل : تقدم الثاني على الأول وذلك جائز، والتقدير : لا تتخذوا اثنين إلهين. وقيل : حذف الثاني للدلالة تقديره معبوداً واثنين على هذا القول تأكيد، وتقرير منافاة الاثنينية للإلهية من وجود ذكرت في علم أصول الدين. ولما نهى عن اتخاذ الإلهين، واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة، أخبر تعالى أنه إله واحد كما قال :﴿وَإِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة. ثم أمرهم بأنْ يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة، وانتصب إياي بفعل محذوف مقدر التأخير عنه يدل عليه فارهبون، وتقديره : وإياي ارهبوا. وقول ابن عطية : فإياي، منصوب بفعل مضمر تقديره : فارهبوا إياي فارهبون، ذهول عن القاعدة في النحو، أنه إذا كان المفعول ضميراً منفصلاً والفعل متعدياً إلى واحد هو الضمير، وجب تأخير الفعل كقولك :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله :
إليك حين بلغت إياكا
ثم التفت من التكلم إلى ضمير الغيبة فأخبر تعالى : أنّ له ما في السموات والأرض، لأنه لما كان هو الإله الواحد الواجب لذاته كان ما سواه موجوداً بإيجاد وخلقه، وأخبر أنّ له الدين واصباً. قال مجاهد : الدين الإخلاص. وقال ابن جبير : العبادة. وقال عكرمة : شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الحدود والفرائض. وقال الزمخشري وابن عطية : الطاعة، زاد ابن عطية : والملك. وأنشد :
في دين عمرو وحالت بيننا فدك
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩
أي : في طاعته وملكه. وقال الزمخشري : أوله الحداد أي : دائماً ثابتاً سرمداً لا يزول، يعني الثواب والعقاب. وقال ابن عباس، وعكرمة، والحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، والثوري : واصباً دائماً. قال الزمخشري : والواصب الواجب الثابت لأن كل نعمة منه بالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، وذكر ابن الأنباري أنه من الوصب وهو التعب، وهو على معنى النسب أي : ذا وصب، كما قال : أضحى فؤادي به فاتناً، أي ذا فتون. قال الزمخشري : أو وله الدين ذا كلفة ومشقة، ولذلك سمى تكليفاً انتهى. وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى : وله الدين والطاعة رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه أم لا يسهل فله الدين، وإن كان فيه الوصب. والوصب : شدّة التعب. وقال الربيع بن أنس : واصباً خالصاً. قال ابن عطية : والواو في وله ما في السموات والأرض عاطفة على قوله : إله واحد، ويجوز أن تكون واو ابتداء انتهى. ولا يقال واو ابتداء إلا لواو الحال، ولا يظهر هنا الحال، وإنما هي عاطفة : فإما على الخبر كما ذكر أولاً فتكون الجملة
٥٠١
في تقدير المفرد لأنها معطوفة على الخبر، وإما على الجملة بأسرها التي هي : إنما هو إله واحد، فيكون من عطف الجمل. وانتصب واصباً على الحال، والعامل فيها هو ما يتعلق به المجرور. أفغير الله استفهام تضمن التوبيخ والتعجب أي : بعدما عرفتم وحدانيته، وأن ما سواه له ومحتاج إليه، كيف تتقون وتخافون غيره ولا نفع ولا ضر يقدر عليه ؟ ثم أخبر تعالى بأنّ جميع النعم المكتسبة منا إنما هي من إيجاده واختراعه، ففيه إشارة إلى وجوب الشكر على ما أسدى من النعم الدينية والدنيوية. ونعمه تعالى لا تحصى كما قال تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآ﴾. وما موصولة، وصلتها بكم، والعامل فعل الاستقرار أي : وما استقر بكم، ومن نعمة تفسير لما، والخبر فمن الله أي : فهي من قبل الله، وتقدير الفعل العامل بكم خاصاً كحلّ أو نزل ليس بجيد. وأجاز الفرّاء والحوفي : أن تكون ما شرطية، وحذف فعل الشرط. قال الفراء : التقدير. وما يكن بكم من نعمة، وهذا ضعيف جداً لأنه لا يجوز حذفه إلا بعد أن وحدها في باب الاشتغال، أو متلوة بما النافية مدلولاً عليه بما قبله، نحو قوله :
فطلقها فلست لها بكفءوإلا يعل مفرقك الحسام
أي : وإلا تطلقها، حذف تطلقها الدلالة طلقها عليه، وحذفه بعد أنْ متلوة بلا مختص بالضرورة نحو قوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩
قالت بنات العم يا سلمى وإنكان فقيراً معدماً قالت وإن