الذكر كما قال :﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الانثَى ﴾ وقال ابن عطية : ومعنى الآية يدبر أيمسك هذه الأنثى على هوان يتجلد له، أم يئدها فيدفنها حية فهو الدس في التراب ؟ ثم استقبح الله سوء فعلهم وحكمهم بهذا في بناتهم ورزق الجميع على الله انتهى. فعلق ألا ساء ما يحكمون بصنعهم في بناتهم مثل السوء. قيل : مثل بمعنى صفة أي : صفة السوء، وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث، ووأدهن خشية الإملاق وإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ. ولله المثل الأعلى أي : الصفة العليا، وهي الغنى عن العالمين، والنزاهة عن سمات المحدثين. وقيل : مثل السوء هو وصفهم الله تعالى بأن له البنات، وسماه مثل السوء لنسبتهم الولد إلى الله، وخصوصاً على طريق الأنوثة التي هم يستنكفون منها. وقال ابن عباس : مثل السوء النار. وقال ابن عطية : قالت فرقة مثل بمعنى صفة أي : لهؤلاء صفة السوء، ولله الوصف الأعلى، وهذا لا نضطرّ إليه لأنه خروج عن اللفظ، بل قوله : مثل، على بابه وذلك أنهم إذا قالوا : أن البنات لله فقد جعلوا لله مثلاً، فالبنات من البشر وكثرة البنات مكروه عندهم ذميم فهو المثل السوء. والذي أخبر الله تعالى أنهم لهم وليس في البنات فقط، بل لما جعلوه هم البنات جعله هو هلم على الإطلاق في كل سوء، ولا غاية أبعد من عذاب النار. وقوله : ولله المثل الأعلى، على الإطلاق أي : الكمال المستغنى. وقال قتادة : المثل الأعلى لا إله إلا الله انتهى، وقول قتادة مروي عن ابن عباس. ولما تقدم قوله : ويجعلون لله البنات الآية تقدم ما نسبوا إلى الله، وأتى ثانياً ما كان منسوباً لأنفسهم، وبدأ هنا بقوله : للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، وأتى بعد ذلك بما يقابل قوله : سبحانه وتعالى من التنزيه وهو قوله : ولله المثل الأعلى، وهو الوصف المنزه عن سمات الحدوث والتوالد، وهو الوصف الأعلى الذي ليس يشركه فيه غيره، وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىًا فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لا﴾ : لما حكى الله تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التولد له، بيَّن تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم
٥٠٥
بالعقوبة إظهاراً لفضله ورحمته. ويؤاخذ : مضارع آخذ، والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذه. وقال ابن عطية : كان أحد المؤاخذين يأخذ من الآخر، إما بمعصية كما هي في حق الله تعالى، أو بإذاية في جهة المخلوقين، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء انتهى. والظاهر : عموم الناس. وقيل : أهل مكة، والباء في بظلمهم للسبب. وظلمهم كفرهم ومعاصيهم. والضمير في عليها عائد على غير مذكور، ودل على أنه الأرض قوله : من دابة، لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض، فهو كقوله :﴿فَأَثَرْنَ بِهِا نَقْعًا﴾ أي بالمكان لأن ﴿وَالْعَـادِيَـاتِ﴾ معلوم أنها لا تعدو إلا في مكان، وكذلك الإثارة والنفع. والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح، فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض حتى الجعلان في جحرها قاله : ابن مسعود. قال قتادة : وقد فعل تعالى في زمن نوح عليه السلام. وقال السدي ومقاتل : إذا قحط المطر لم تبق دابة إلا هلكت. وسمع أبو هريرة رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال : بلى والله حتى أن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم. وهذا نظير :﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ الآية والحديث "أنهلك وفينا الصالحون" وقال ابن السائب، واختاره الزجاج : من دابة من الإنس والجن. وقال ابن جريج : من الناس خاصة. وقالت فرقة منهم ابن عباس : من دابة من مشرك يدب عليها، ولكن يؤخرهم إلى أجل الآية، تقدّم تفسير ما يشبهه في الأعراف. وما في ما يكرهون لمن يعقل، أريد بها النوع كقوله :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم﴾ ومعنى : ويجعلون، يصفونه بذلك ويحكمون به. وقال الزمخشري : ما يكرهون لأنفسهم من البنات، ومن شركاء في رئاستهم، ومن الاستخفاف برسلهم والتهاون برسالاتهم، ويجعلون له أرذل أموالهم، ولأصنامهم أكرمها، وتصف ألسنتهم مع ذلك أنّ لهم الحسنى عند الله كقوله :﴿وَلَـاِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى ﴾ انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩