اللام. وقرأ مجاهد : بضم السين واللام. وقيل : الضمير عائد على الذين أشركوا، وشركائهم كلهم. قال الكلبي : استسلموا منقادين لحكمه، والضمير في وضلوا عائد على الذين أشركوا خاصة أي : وبطل عنهم ما كانوا يفترون من أنّ لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرأوا منهم، والظاهر أنّ الذين مبتدأ وزدناهم الخبر. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون قوله : الذين، بدلاً من الضمير في يفترون. وزدناهم فعل مستأنف إخباره. وصدوا عن سبيل الله أي : غيرهم زدناهم عذاباً بسبب الصد فوق العذاب، أي : الذي ترتب لهم على الكفر ضاعفوا كفرهم، فضاعف الله عقابهم. وهذا المزيد عن ابن مسعود عقارب كأمثال النخل الطوال، وعنه : حيات كأمثال الفيلة، وعقارب كأمثال البغال. وعن ابن عباس : أنها من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها، وعن الزجاج : يخرجون من حر النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النار، وعلل تلك الزيادة بكونهم مفسدين غيرهم، وحاملين على الكفر. وفي كل أمة فيها منها حذف في السابق من أنفسهم وأثبته هنا وحذف هناك في وأثبته هنا، والمعنى في كليهما : أنه يبعث الله أنبياء الأمم فيهم منهم، والخطاب في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلّم، والإشارة بهؤلاء إلى أمته. وقال ابن عطية : ويجوز أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الرسل. وقد قال بعض الصحابة : إذا رأيت أحداً على معصية فانهه، فإنْ أطاعك وإلا كنت عليه شهيداً يوم القيامة انتهى. وكان الشهيد من أنفسهم، لأنه كان كذلك حين أرسل إليهم في الدنيا من أنفسهم. وقال الأصم أبو بكر المراد الشهيد هو أنه تعالى ينطق عشرة من أجزاء الإنسان حتى تشهد عليه، لأنه قال في صفة الشهيد من أنفسهم، وهذا بعيد لمقابلته بقوله : وجئنا بك شهيداً على هؤلاء، فيقتضي المقابلة أنّ الشهداء على الأمم أنبياؤهم كرسول الله صلى الله عليه وسلّم. ونزلنا استئناف إخبار، وليس داخلاً مع ما قبله لاختلاف الزمانين. لما ذكر ما شرفه الله به من الشهادة على أمته، ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شيء من أمور الدين، ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا، فلا حجة لهم ولا معذرة. والظاهر أنّ تبياناً مصدر جاء على تفعال، وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف، ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء. وقد جوّز الزجاج فتحه في غير القرآن. وقال ابن عطية : تبياناً اسم وليس بمصدر، وهو قول أكثر النحاة. وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين : أنه مصدر ولم يجيء على تفعال من المصادر إلا ضربان : تبيان وتلقاء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٧
قال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء ؟ (قلت) : المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وطاعته. وقيل :﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ وحثاً على الإجماع في قوله ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله :﴿يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وقد اجتهدوا، وقاسوا، ووطؤوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء. وقوله : وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى قوله : اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي، والقياس، والاستحسان، والتعليل، والقليد ما نصه : وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصلح قط، وذكر إسناده إلى البزاز صاحب المسند قال : سألتم عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم، بأيها اقتدوا اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلّم، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم. وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يثبت، والنبي صلى الله عليه وسلّم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، هذا نص كلام البزار. قال ابن معين : عبد الرحيم بن زيد كذاب خبيث ليس بشيء. وقال البخاري : هو متروك، رواه أيضاً حمزة الجزري، وحمزة هذا ساقط متروك. ونصبوا تبياناً على الحال. ويجوز أن يكون مفعولاً من جله. وللمسلمين متعلق ببشرى ومن حيث المعنى هو متعلق بهدى ورحمة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٨


الصفحة التالية
Icon