توثيقها باسم الله وكفالة الله وشهادته، ومراقبته، لأن الكفيل مراع لحال المكفول به. ولا تكونوا أي : في نقض العهد بعد توكيده بالله كالمرأة الورهاء تبرم فتل غزلها ثم تنقضه نكثاً، وهو ما يحل فتله. والتشبيه لا يقتضي تعيين المشبه به. وقال السدي، وعبد الله بن كثير : هي امرأة حمقاء كانت بمكة. وعن الكلبي ومقاتل : هي من قريش خرقاء اسمها ريطة بنت سعد بن تيم، تلقب بجفراء، اتخذت مغزلاً قدر ذراع، وصنارة مثل أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وعن مجاهد : هذا فعل نساء أهل نجد، تنقض إحداهن غزلها ثم تنفشه، وتخلطه بالصوف فتغزله. وقال ابن الأنباري : ريطة بنت عمرو المرية، ولقبها الجفراء من أهل مكة، وكانت معروفة عند المخاطبين. والظاهر أنّ المراد بقوله : من بعد قوّة أي : شدة حدثت من تركيب قوى الغزل. ولو قدرناها واحدة القوى لم تكن تنتقض أنكاثاً. والنكث في اللغة الحبل إذا انتقضت قواه. وقال مجاهد : المعنى من بعد إمرار قوة. والدخل : الفساد والدغل، جعلوا الإيمان ذريعة إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن، فيمكن الحالف ضره بما يريده. قالوا : نزلت في العرب كانوا إذا حالفوا قبيلة فجاء أكثر منها عدداً حالفوه وغدروا بالتي كانت أقل. وقيل : أن تكونوا أنتم أزيد خبراً، فأسند إلى أمة، والمراد المخاطبون. وقال ابن بحر : الدخل والداخل في الشيء لم تكن منه، ودخلاً مفعول ثان. وقيل : مفعول من أجله، وأن تكون أي : بسبب أن تكون وهي أربى مبتدأ وخبر. وأجاز الكوفيون أن تكون هي عماداً يعنون فضلاً، فيكون أربى في موضع نصب، ولا يجوز ذلك عند البصريين لتنكير أمة. والضمير في به عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أي : بسبب كون أمة أربى من أمة يختبركم بذلك. قال الزمخشري : لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من أيمان البيعة للرسول صلى الله عليه وسلّم، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقوتهم وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم وليبينن لكم : إنذار وتحذير من مخالفة ملة الإسلام انتهى. وقيل : يعود على الوفاء بالعهد. وقال ابن جبير، وابن السائب، ومقاتل : يعود على الكثرة. قال ابن الأنباري : لما كان تأنيثها غير حقيقي حمل على معنى التذكير، كما حملت الصيحة على الصياح.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٨
﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـاكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُا وَلَتُسْـاَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَـانَكُمْ دَخَا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمُا بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّواءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ : هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة، ابتلى الناس بالأمر والنهي ليذهب كل
٥٣١
إلى ما يسر له، وذلك لحق الملك لا يسأل عما يفعل. ولو شاء لكانوا كلهم على طريق واحدة، إما هدى، وإما ضلالة، ولكنه فرق، فناس للسعادة، وناس للشقاوة. فخلق الهدى والضلال، وتوعد بالسؤال عن العمل، وهو سؤال توبيخ لا سؤال تفهم، وسؤال التفهم هو المنفى في آيات. ومذهب المعتزلة أن هذه المشيئة مشيئة قهر. قال العسكري : المراد أنه قادر على أن يجمعكم على الإسلام قهراً، فلم يفعل ذلك، وخلقكم ليعذب من يشاء على معصيته، ويثيب من يشاء على طاعته، ولا يشاء شيئاً من ذلك إلا أن يستحقه. ويجوز أن يكون المعنى : أنه لو شاء خلقكم في الجنة، ولكن لم يفعل ذلك ليثيب المطيعين منكم، ويعذب العصاة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٨


الصفحة التالية
Icon