قبل الاستثناء في قول مَن جعل مَن شرطاً. وقال ابن عطية : وقالت فرقة مَن في قوله مَن كفر ابتداء، وقوله : من شرح تخصيص منه، ودخل الاستثناء لإخراج عمار وشبهه. ودنا من الاستثناء الأول الاستدراك بلكن وقوله : فعليهم، خبر عن مَن الأولى والثانية، إذ هو واحد بالمعنى لأن الإخبار في قوله : من كفر، إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر انتهى. وهذا وإن كان كما ذكر فهاتان جملتان شرطيتان، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك، فلا بد لكل واحدة منهما من جواب على انفراده لا يشتركان فيه، فتقدير الحذف أحرى على صناعة الإعراب. وقد ضعفوا مذهب أبي الحسن في ادعائه أن قوله :﴿فَسَلَـامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـابِ الْيَمِينِ﴾ وقوله :﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ جواب لأما، ولأنّ هذا وهما أدانا شرط، إحداهما تلي الأخرى، وعلى كون مَن في موضع رفع على الابتداء، يجوز أن تكون شرطية كما ذكرنا، ويجوز أن تكون موصولة وما بعدها صلتها، والخبر محذوف لدلالة ما بعده عليه، كما ذكرنا في حذف جواب الشرط. إلا أنْ من الثانية لا يجوز أنْ تكون شرطاً حتى يقدر قبلها مبتدأ لأنّ من وليت لكنْ فيتعين إذ ذاك أن تكون مَن موصولة، فإن قدر مبتدأ بعد لكن جاز أن تكون شرطية في موضع خبر ذلك المبتدأ المقدر كقوله :
ولكن متى يسترقد القوم أرقد
أي : ولكن أنا متى يسترقد القوم أرقد. وكذلك تقدر هنا، ولكن هم من شرح بالكفر صدراً أي : منهم. وأجاز الحوفي والزمخشري : أن تكون بدلاً من الذين لا يؤمنون، ومن الكاذبون. ولم يجز الزجاج إلا أن يكون بدلاً من الكاذبون، لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام، فعلقه بما قبله. وأجاز الزمخشري أن يكون بدلاً من أولئك، فإذا كان بدلاً من الذين لا يؤمنون فيكون قوله : وأولئك هم الكاذبون، جملة اعتراض بين البدل والمبدل منه، والمعنى : إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء. وإذا
٥٣٩
كان بدلاً من الكاذبون فالتقدير : وأولئك هم من كفر بالله من بعد إيمانه، وإذا كان بدلاً من أولئك فالتقدير : ومَن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٨


الصفحة التالية
Icon