وقيل :﴿فَفَسَقَ﴾ صار فاسقاً كافراً بسبب أمر ربه الذي هو قوله ﴿اسْجُدُوا لادَمَ﴾ حيث لم يمتثله. قيل : ويحتمل أن يكون المعنى ﴿فَفَسَقَ﴾ فأمر ربه أي بمشيئته وقضائه لأن المشيئة يطلق عليها أمر كما تقول : فعلت ذلك عن أمرك أي بحسب مرادك، والهمزة في ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ﴾ للتوبيخ والإنكار والتعجب أي أبعد ما ظهر منه من الفسق والعصيان تتخذونه وذريته أولياء من دوني مع ثبوت عداوته لكم تتخذونه ولياً. وقرأ عبيد الله بن زياد على المنبر وهو يخطب ﴿أَفَتَتَّخِذُونَه وَذُرِّيَّتَهُا﴾ بفتح الذال، والظاهر أن لإبليس ذرية وقال بذلك قوم منهم قتادة والشعبي وابن زيد والضحاك والأعمش. قال قتادة : ينكح وينسل كما بنسل بنو آدم. وقال الشعبي : لا يكون ذرية إلاّ من زوجة. وقال ابن زيد : إن الله قال لإبليس إني لا أخلق لآدم ذرية إلاّ ذرأت لك مثلها، فليس يولد لولد آدم ولد إلاّ ولد معه شيطان يقرن. وقيل للرسول صلى الله عليه وسلّم : ألك شيطان ؟ قال :"نعم ألا إن الله تعالى أعانني عليه فأسلم". وسمي الضحاك وغيره من ذرية إبليس جماعة الله أعلم بصحة ذلك، وكذلك ذكروا كيفيات في وطئه وإنساله الله أعلم بذلك، وذهب قوم إلى أنه ليس لإبليس ولد وإنما الشياطين هم الذين يعينونه على بلوغ مقاصده، والمخصوص بالذم محذوف أي ﴿بِئْسَ لِلظَّـالِمِينَ بَدَلا﴾ من الله إبليس وذريته وقال ﴿لِلظَّـالِمِينَ﴾ لأنهم اعتاضوا من الحق بالباطل وجعلوا مكان ولايتهم إبليس وذريته، وهذا نفس الظالم لأنه وضع الشيء في غيره موضعه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
وقرأ الجمهور ﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ﴾ بتاء المتكلم. وقرأ أبو جعفر وشيبة والسختياني وعون العقيلي وابن مقسم : ما أشهدناهم بنون العظمة، والظاهر عود ضمير المفعول في ﴿أَشْهَدتُّهُمْ﴾ على إبليس وذريته أي لم أشاورهم في ﴿خَلْقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ بل خلقتهم على ما أردت، ولهذا قال ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾. وقال الزمخشري : يعني إنكم اتخذتم شركاء لي في العبادة وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية فنفي مشاركتهم في الإلهية بقوله :﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ لا أعتضد بهم في خلقها ﴿وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ وما كنت متخذهم أعواناً فوضع ﴿الْمُضِلِّينَ﴾ موضع الضمير ذماً لهم
١٣٦
بالإضلال فإذا لم يكونوا لي ﴿عَضُدًا﴾ في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء في العبادة انتهى. وقيل : يعود على الملائكة والمعنى أنه ما أشهدهم ذلك ولا استعان بهم في خلقها بل خلقتهم ليطيعوني ويعبدوني فكيف يعبدونهم. وقيل : يعود على الكفار. وقيل : على جميع الخلق. وقال ابن عطية : الضمير في ﴿أَشْهَدتُّهُمْ﴾ عائد على الكفار وعلى الناس بالجملة، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين والأطباء وسواهم من كل من يتخرص في هذه الأشياء، وقاله عبد الحق الصقلي وتأول هذا التأويل في هذه الآية وأنها رادة على هذه الطوائف، وذكر هذا بعض الأصوليين انتهى.
وقرأ أبو جعفرر والجحدري والحسن وشيبة ﴿وَمَا كُنتُ﴾ بفتح التاء خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلّم. قال الزمخشري : والمعنى وما صح لك الأعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم انتهى. والذي أقوله أن المعنى إخبار من الله عن نبيه وخطاب منه تعالى له في انتفاء كينونته متخذ عضد من المضلين، بل هو مذ كان ووجد عليه السلام في غاية التبرّي منهم والبعد عنهم لتعلم أمته أنه لم يزل محفوظاً من أول نشأته لم يعتضد بمضل ولا مال إليه صلى الله عليه وسلّم. وقرأ عليّ بن أبي طالب متخذاً المضلين أعمل اسم الفاعل. وقرأ عيسى ﴿عَضُدًا﴾ بسكون الضاد خفف فعلاً كما قالوا : رجل وسبع في رجل وسبع وهي لغة عن تميم، وعنه أيضاً بفتحتين. وقرأ شيبة وأبو عمر وفي رواية هارون وخارجة والخفاف ﴿عَضُدًا﴾ بضمتين، وعن الحسن ﴿عَضُدًا﴾ بفتحتين وعنه أيضاً بضمتين. وقرأ الضحاك ﴿عَضُدًا﴾ بكسر العين وفتح الضاد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon