وقيل : عاد موضع سلوك الحوت حجراً طريقاً وأن موسى مشى عليه متبعاً للحوت حتى أفضى به ذلك إلى جزيرة في البحر وفيها وجد الخضر ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أي مجمع البحرين. وقال الزمخشري : الموعد وهو الضخرة. قيل : سارا بعد مجاوزة الصخرة الليلة والغد إلى الظهر وألقى على موسى النصب والجوع حين جاوزا لموعد ولم ينصب ولا جاع قبل ذلك فتذكر الحوت وطلبه. وقوله ﴿مِن سَفَرِنَا﴾ هذا إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة. وقرأ الجمهور ﴿نَصَبًا﴾ بفتحتين وعبد الله بن عبيد بن عمير بضمتين. قال صاحب اللوامح وهي إحدى اللغات الأربع التي فيها.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف نسي يوشع ذلك ومثله لا ينسى لكونه إمارة لهما على الطلبة التي تناهضاً من أجلها ولكونه معجزتين بينتين وهما حياة السمكة المملوحة المأكول منها وقيل : ما كانت إلاّ شق سمكة وقيام الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب، ثم كيف استمر به النيسان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد، وحتى طلب موسى عليه السلام
١٤٥
الحوت قلت : قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب حتى اعتراه النسيان، وانضم إلى ذلك أنه ضري بمشاهدة أمثاله عند موسى من العجائب، واستأنس بأخواته فأعان الإلف على قلة الإهتمام انتهى. قال أبو بكر غالب بن عطية والداني عبد الحق المفسر : سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظة : مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوماً لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم.
وقال الزمخشري :﴿أَرَءَيْتَ﴾ بمعنى أخبرني فإن قلت : فما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من ﴿أَرَءَيْتَ﴾ و﴿إِذْ أَوَيْنَآ﴾ و﴿فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ لا متعلق له ؟ قلت : لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك، كأنه قال :﴿أَرَءَيْتَ﴾ ما دهاني ﴿إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ فحذف ذلك انتهى. وكون أرأيتك بمعنى أخبرني ذكره سيبويه : وقد أمعّنا الكلام في ذلك في سورة الأنعام وفي شرحنا لكتاب التسهيل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٠
وأما ما يختص بأرأيت في هذا الموضع فقال أبو الحسن الأخفش : إن العرب أخرجتها عن معناها بالكلية فقالوا : أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة إذا كانت بمعنى أخبرني، وإذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها قال : وشذت أيضاً فألزمتها الخطاب على هذا المعنى، ولا تقول فيها أبداً أراني زيد عمراً ما صنع، وتقول هذا على معنى أعلم. وشذت أيضاً فأخرجتها عن موضعها بالكلية بدليل دخول الفاء ألا ترى قوله ﴿أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ فما دخلت الفاء إلاّ وقد أخرجت لمعنى إما أو تنبه، والمعنى أما ﴿إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ فالأمر كذا، وقد أخرجتها أيضاً إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام، وقد يخرج لمعنى أما ويكون أبداً بعدها الشرط وظرف الزمان فقوله ﴿فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ } معناه أما معناه أما ﴿إِذْ أَوَيْنَآ﴾ ﴿فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ أو تنبه ﴿إِذْ أَوَيْنَآ﴾ وليست الفاء إلاّ جواباً لأرأيت، لأن إذ لا يصح أن يجازي بها إلاّ مقرونة بما بلا خلاف انتهى كلام الأخفش. وفيه إن ﴿أَرَءَيْتَ﴾ إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام وهذان مفقود إن في تقدير الزمخشري ﴿أَرَءَيْتَ﴾ هنا بمعنى أخبرني، ومعنى ﴿نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ نسيت ذكر ما جرى فيه لك.
وفي قوله ﴿وَمَآ أَنسَـانِيهُ إِلا الشَّيْطَـانُ﴾ حسن أدب سبب النسيان إلى المتسبب فيه بوسوسته و﴿أَنْ أَذْكُرَهُا﴾ بدل اشتمال من الضمير العائد على الحوت، والظاهر أن الضمير في ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَه فِى الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ عائد على الحوت كما عاد في قوله ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَه فِى الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ وهو من كلام يوشع. وقيل : الضمير عائد على موسى أي اتخذ موسى. ومعنى ﴿عَجَبًا﴾ أي تعجب من ذلك أو اتخاذاً ﴿عَجَبًا﴾ وهو أن أثره بقي إلى حيث سار. وقدره الزمخشري ﴿سَبِيلَهُ﴾ ﴿عَجَبًا﴾ وهو كونه شبيه السرب قال : أو قال ﴿عَجَبًا﴾ في آخر كلام تعجباً من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها، أو مما رأى من المعجزتين وقوله :﴿وَمَآ أَنسَـانِيهُ إِلا الشَّيْطَـانُ أَنْ أَذْكُرَهُا﴾ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقيل : إن ﴿عَجَبًا﴾ حكاية لتعجب موسى وليس بذلك انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٠