وقرأ ابن مسعود فخاف ربك، وهذا بين الاستعارة في القرآن في جهة الله تعالى من لعل وعسى فإن جميع ما في هذا كله من ترج وتوقع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون. و﴿يُرْهِقَهُمَا﴾ معناه يجشمهما ويكلفهما بشدة، والمعنى أن يلقيهما حبه في اتبّاعه. وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة وحميد والأعمش وابن جرير ﴿أَن يُبْدِلَهُمَا﴾ بالتشديد هنا وفي التحريم والقلم. وقرأ باقي السبعة والحسن وابن محيصن بالتخفيف، والزكاة هنا الطهارة والنقاء من الذنوب وما ينطوي عليه من شرف الخلق والسكينة، والرحم والرحمة العطف مصدران كالكثر والكثرة، وافعل هنا ليست للتفضيل لأن ذلك الغلام لا زكاة فيه ولا رحمة. والظاهر أن قوله ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ أي رحمة والديه وقال ابن جريج : يرحمانه. وقال رؤبة بن العجاج :
يا منزل الرحم على إدريساومنزل اللعن على إبليسا
وقرأ ابن عامر وأبو جعفر في رواية ويعقوب وأبو حاتم ﴿رُحْمًا﴾ بضم الحاء. وقرأ ابن عباس ﴿رُحْمًا﴾ بفتح الراء وكسر الحاء. وقيل الرحم من الرحم والقرابة أي أو صل للرحم. قيل : ولدت غلاماً مسلماً. وقيل : جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هدى الله على يديه أمة من الأمم. وقيل : ولدت سبعين نبياً. رُوي ذلك عن ابن عباس. قال ابن عطية : وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلاّ في بني إسرائيل، ولم تكن هذه المرأة منهم انتهى. ووصف الغلامين باليتم يدل على أنهما كانا صغيرين. وفي الحديث :"لا يتم بعد بلوغ" أي كانا ﴿يَتِيمَيْنِ﴾ على معنى الشفقة عليهما. قيل : واسمهما أصرم وصريم، واسم أبيهما كاشح واسم أمهما دهنا، والظاهر في الكنز أنه مال مدفون جسيم ذهب وفضة قاله عكرمة وقتادة. وقال ابن عباس وابن جبير : كان علماً في مصحف مدفونة. وقيل : لوح من ذهب فيه كلمات حكمة وذكر، وقد
١٥٥
ذكرها المفسرون في كتبهم ولا نطول بذكرها، والظاهر أن أباهما هو الأقرب إليهما الذي ولدهما دنية. وقيل : السابع. وقيل : العاشر وحفظ هذان الغلامان بصلاح أبيهما. وفي الحديث :"إن الله يحفظ الرجل الصالح في ذريته". وانتصب ﴿رَحْمَةً﴾ على المفعول له وأجاز الزمخشري أن ينصب على المصدر بأراد قال : لأنه في معنى رحمهما، وأجاز أبو البقاء أن ينتصب على الحال وكلاهما متكلف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَمَا فَعَلْتُهُ﴾ أي وما فعلت ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار عن اجتهاد مني ورأي، وإنما فعلته بأمر الله وهذا يدل على أنه نبيّ أوحي إليه. و﴿تَسْطِع﴾ مضارع اسطاع بهمزة الوصل. قال ابن الكسيت : يقال ما استطيع وما اسطيع وما استتيع واستتيع أربع لغات، وأصل اسطاع استطاع على وزن استفعل، فالمحذوف في اسطاع تاء الافتعال لوجود الطاء التي هي أصل ولا حاجة تدعو إلى أن المحذوف هي الطاء التي هي فاء الفعل، ثم أبدلوا من تاء الافتعال طاءً، وأما استتيع ففيه أنهم أبدلوا من الطاء تاء، وينبغي في تستيع أن يكون المحذوف تاء الافتعال كما في تسطيع.
وفي كتاب التحرير والتحبير ما نصه : تعلق بعض الجهال بما جرى لموسى مع الخضر عليهما السلام على أن الخضر أفضل من موسى وطردوا الحكم، وقالوا : قد يكون بعض الأولياء أفضل من آحاد الأنبياء، واستدلوا أيضاً بقول أبي يزيد خضت بحراً وقف الأنبياء على ساحله وهذا كله من ثمرات الرعونة والظنة بالنفس انتهى. وهكذا سمعنا من يحكي هذه المقالة عن بعض الضالين المضلين وهو ابن العربي الطائي الحاتمي صاحب الفتوح المكية، فكان ينبغي أن يسمي بالقبوح الهلكية وأنه كان يزعم أن الولّي خير من النبيّ قال : لأن الولي يأخذ عن الله بغير واسطة، والنبيّ يأخذ بواسطة عن الله، ولأن الولي قاعد في الحضرة الألهية والنبيّ مرسل إلى قوم، ومن كان في الحضرة أفضل ممن يرسله صاحب الحضرة إلى أشياء من هذه الكفريات والزندقة، وقد كثر معظِّمو هذا الرجل في هذا الزمان من غلاة الزنادقة القائلة بالوحدة نسأل الله السلام في أدياننا وأبداننا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَمَا فَعَلْتُهُ﴾ أي وما فعلت ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار عن اجتهاد مني ورأي، وإنما فعلته بأمر الله وهذا يدل على أنه نبيّ أوحي إليه. و﴿تَسْطِع﴾ مضارع اسطاع بهمزة الوصل. قال ابن الكسيت : يقال ما استطيع وما اسطيع وما استتيع واستتيع أربع لغات، وأصل اسطاع استطاع على وزن استفعل، فالمحذوف في اسطاع تاء الافتعال لوجود الطاء التي هي أصل ولا حاجة تدعو إلى أن المحذوف هي الطاء التي هي فاء الفعل، ثم أبدلوا من تاء الافتعال طاءً، وأما استتيع ففيه أنهم أبدلوا من الطاء تاء، وينبغي في تستيع أن يكون المحذوف تاء الافتعال كما في تسطيع.


الصفحة التالية
Icon