جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
وقرأ الحسن وابن يعمر ﴿ذِكْرُ﴾ فعلاً ماضياً ﴿رَحْمَتِ﴾ بالنصب، وحكاه أبو الفتح وذكره الزمخشري عن الحسن أي هذا المتلو من القرآن ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ وذكر الداني عن ابن يعمر ﴿ذِكْرُ﴾ فعل أمر من التذكير ﴿رَحْمَتِ﴾ بالنصب و﴿عَبْدَهُ﴾ نصب بالرحمة أي ﴿ذِكْرُ﴾ أن ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾. وذكر صاحب اللوامح أن ﴿ذِكْرُ﴾ بالتشديد ماضياً عن الحسن باختلاف وهو صحيح عن ابن يعمر، ومعناه أن المتلو أي القرآن ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ فلما نزع الباء انتصب، ويجوز أن يكون معناه أن القرآن ذكر الناس تذكيراً أن رحم الله عبده فيكون المصدر عاملاً في ﴿عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ﴾ لأنه ذكرهم بما نسوه من رحمة الله فتجدد عليهم بالقرآن ونزوله على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ويجوز أن يكون ﴿ذِكْرُ﴾ على المضي مسنداً إلى الله سبحانه.
وقرأ الكلبي ﴿ذِكْرُ﴾ على المضي خفيفاً من الذكر ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ﴾ بنصب التاء ﴿عَبْدَهُ﴾ بالرفع بإسناد الفعل إليه. وقال ابن خالويه :﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَا عَبْدَهُ﴾ يحيى بن يعمر و﴿ذِكْرُ﴾ على الأمر عنه أيضاً انتهى.
و﴿إِذِ﴾ ظرف العامل فيه قال الحوفي :﴿ذِكْرُ﴾ وقال أبو البقاء : و﴿إِذِ﴾ ظرف لرحمة أو لذكر انتهى. ووصف نداء بالخفي. قال ابن جريج : لئلا يخالطه رياء. مقاتل : لئلا يعاب بطلب الولد في الكبر. قتادة : لأن السر والعلانية
١٧٢
عنده تعالى سواء. وقيل : أسره من مواليه الذين خافهم. وقيل : لأنه أمر دنياوي فأخفاه لأنه إن أجيب فذاك بغيته، وإلاّ فلا يعرف ذلك أحد. وقيل : لأنه كان في جوف الليل. وقيل : لإخلاصه فيه فلا يعلمه إلاّ الله. وقيل : لضعف صوته بسبب كبره، كما قيل : الشيخ صوته خفات وسمعه تارات. وقيل : لأن الإخفاء سنة الأنبياء والجهر به يعد من الاعتداء. وفي التنزيل ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةًا إِنَّه لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. وفي الحديث :"إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى﴾ هذه كيفية دعائه وتفسير ندائه. وقرأ الجمهور :﴿وَهَنَ﴾ بفتح الهاء. وقرأ الأعمش بكسرها. وقرىء بضمها لغات ثلاث، ومعناه ضعف وأسند الوهن إلى العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى ما وراءه وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أو هن ووحد ﴿الْعَظْمُ﴾ لأنه يدل على الجنس، وقصد إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصداً آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها. وقال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس. قال الكرماني : وكان له سبعون سنة. وقيل : خمس وسبعون. وقيل : خمس وثمانون. وقيل : ستون. وقيل : خمس وستون. وشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس، وأخرج الشيب مميزاً ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكرياء فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة قاله الزمخشري، وإلى هذا نظر ابن دريد. فقال :
واشتعل المبيض في مسودهمثل اشتعال النار في جزل الغضا وبعضهم أعرب ﴿شَيْبًا﴾ مصدراً قال : لأن معنى ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ﴾ شاب فهو مصدر من المعنى. وقيل : هو مصدر في موضع نصب على الحال، واشتعال الرأس استعارة المحسوس للمحسوس إذ المستعار منه النار والمستعار له الشيب، والجامع بينهما الانبساط والانتشار ﴿وَلَمْ أَكُن﴾ نفي فيما مضى أي ما كنت ﴿بِدُعَآاِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ بل كنت سعيداً موفقاً إذ كنت تجيب دعائي فأسعد بذلك، فعلى هذا الكاف مفعول. وقيل : المعنى ﴿بِدُعَآاِكَ﴾ إلى الإيمان ﴿شَقِيًّا﴾ بل كنت ممن أطاعك وعبدك مخلصاً. فالكاف على هذا فاعل والأظهر الأول شكراً لله تعالى بما سلف إليه من إنعامه عليه، أي قد أحسنت إليّ فيما سلف وسعدت بدعائي إياك فالإنعام يقتضي أن تجيبني آخر كما أجبتني أولاً.
وروي أن حاتماً الطائي أتاه طالب حاجة فقال : أنا أحسنت إليك وقت كذا، فقال حاتم : مرحباً بالذي توسل بنا إلينا وقضى حاجته.
﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآءِى﴾ ﴿الْمَوَالِىَ﴾ بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب. قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينالا تنبشوا بينا ما كان مدفوناً وقال لبيد
ومولى قد دفعت الضيم عنه
وقد أمسى بمنزلة المضيم