جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي ﴿أَلا تُكَلِّمَ﴾ برفع الميم جعلها أن المخففة من الثقيلة التقدير أنه لا يكلم. وقرأ الجمهور بنصبها جعلوا أن الناصبة للمضارع ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِا مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ أي وهو بتلك الصفة من كونه لا يستطيع أن يكلم الناس، ومحرابه موضع مصلاة، والمحراب تقدم الكلام عليه في آل عمران ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي أشار. قال قتادة وابن منبه والكلبي والقرطبي أوحي إليهم أشار، وذكره الزمخشري عن مجاهد قال : ويشهد له إلاّ رمزاً. وعن ابن عباس كتب لهم على الأرض. وقال ابن عطية : وقال مجاهد : بل كتب لهم في التراب وكلا الوجهين وحي انتهى. وقال عكرمة : كتب في ورقة والوحي في كلام العرب الكتابة. ومنه قول ذي الرمة :
سوى الأربع الدهم اللواتي كأنهابقية وحي في بطون الصحائف
وقال عنترة
كوحي صحائف من عهد كسرىفأهداها لأعجم طمطمي
وقال جرير
كأن أخا اليهود يخط وحيابكاف في منازلها ولام
والجمهور على أن المعنى ﴿أَن سَبِّحُوا ﴾ صلوا. وقيل أمرهم بذكر الله والتسبيح. قال المفسرون كان يخرج على قومه بكرة وعشياً فيأمرهم بالصلاة إشارة. قال صاحب التحرير والتحبير وعندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص بالتسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمراً عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول : سبحان الله سبحان الخالق، فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح انتهى. وقال الزمخشري وابن عطية و﴿ءَانٍ﴾ مفسرة. وقال الحوفي ﴿أَن سَبِّحُوا ﴾ ﴿ءَانٍ﴾ نصب بأوحى. وقال أبو البقاء : يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى أي انتهى. وقرأ طلحة أن سبحوه بهاء الضمير عائدة على الله تعالى. وروي ابن عزوان عن طلحة أن سجن بنون مشددة من غيروا وألحق فعل الأمر نون التوكيد الشديد.
﴿وَعَشِيًّا * يَـايَحْيَى خُذِ الْكِتَـابَ بِقُوَّةٍ﴾ في الكلام حذف والتقدير فلما ولد يحيى وكبر وبلغ السنّ الذي يؤمر فيه قال الله له على لسان الملك وأبعد التبريزي في قوله إن المنادي له أبوه حين ترعرع ونشأ، والصحيح ما سبق لقوله ﴿وَءَاتَيْنَـاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ و﴿الْكِتَـابِ﴾ هو التوراة. قال ابن عطية بلا خلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً انتهى. وليس كما قال بل قيل له كتاب خص به كما خص كثير من الأنبياء بمثل ذلك. وقيل :﴿الْكِتَـابِ﴾ هنا اسم جنس أي اتل كتب الله. وقيل :﴿الْكِتَـابِ﴾ صحف إبراهيم. وقال الحسن وعلمه التوراة والإنجيل وأرسله إلى بني إسرائيل، وكان يصوم ويصلي في حال طفوليته ويدعو إلى الله
١٧٦
بقوة بجد واستظهار وعمل بما فيه والحكم النبوة أو حكم الكتاب أو الحكمة أو العلم بالأحكام أو اللب وهو العقل، أو آداب الخدمة أو الفراسة الصادقة أقوال ﴿صَبِيًّا﴾ أي شاباً لم يبلغ سن الكهولة. وقيل : ابن سنتين. وقيل : ابن ثلاث. وعن ابن عباس في حديث مرفوع :"ابن سبع سنين" ﴿وَحَنَانًا﴾ معطوف على الحكم والحنان الرحمة قاله ابن عباس في رواية والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وأبو عبيدة والفراء وأنشد أبو عبيدة :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
تحنن على هداك المليكفإن لكل مقام مقالا
قال : وأكثر ما تستعمل مثنى كما قال :
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال ابن الأنباري : المعنى وجعلناه لأهل زمانه. وقال مجاهد وتعطفاً من ربه عليه. وعن ابن جبير : ليناً. وعن عكرمة وابن زيد : محبة، وعن عطاء تعظيماً.
وقوله ﴿لَّدُنَّا وَزَكَواةً﴾ عن الضحاك وقتادة عملاً صالحاً. وعن ابن السائب : صدقة تصدق بها على أبويه. وعن الزجاج تطهيراً. وعن ابن الأنباري زيادة في الخبر. وقيل ثناء كما يزكي الشهود. ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾. قال قتادة : لم يهم قط بكبيرة ولا صغيرة ولا هم بامرأة. وقال ابن عباس : جعله متقياً له لا يعدل به غيره. وقال مجاهد : كان طعامه العشب المباح وكان للدمع في خديه مجار بائنة ﴿وَبَرَّا بِوَالِدَيْهِ﴾ أي كثير البر والإكرام والتبجيل. وقرأ الحسن وأبو جعفر في رواية وأبو نهيك وأبو مجلز ﴿وَبَرَّا ﴾ في الموضعين بكسر الباء أي وذا بر ﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا﴾ أي متكبراً ﴿عَصِيًّا﴾ أي عاصياً كثير العصيان، وأصله عصوى فعول للمبالغة، ويحتمل أن يكون فعيلاً وهي من صيغ المبالغة.
﴿وَسَلَـامٌ عَلَيْهِ﴾. قال الطبري : أي أمان. قال ابن عطية : والأظهر أنها التحية المتعارفة وإنما الشرف في أن سلم الله عليه وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى عليهما السلام التقيا وهما ابنا الخالة، فقال يحيى لعيسى : ادع لي فأنت خير مني، فقال له عيسى : بل أنت ادعى لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.


الصفحة التالية
Icon