﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾. قال الحسن : قومه وأمته، وفي مصحف عبد الله وكان يأمر قومه. وقال الزمخشري : كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أولى من سائر الناس ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾ و﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ﴾ ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ أي ترى أنهم أحق بالتصدق عليهم بالإحسان الديني أولى. وقيل :﴿أَهْلَهُ﴾ أمته كلهم من القرابة وغيرهم، لأن أمم النبيين في عداد أهاليهم، وفيه أن حق الصالح أن لا يألو نصحاً للأجانب فضلاً عن الأقارب والمتصلين به، وأن يخطيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك انتهى. وقال أيضاً ذكر إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له وإكراماً كالتلقيب نحو الحليم الأواه والصديق، ولأنه المشهور المتواصف من خصاله.
وقرأ الجمهور ﴿رَضِيًّا﴾ وهو اسم مفعول أي مرضوو فأعل بقلب واوه ياء لأنها طرف بعد واو ساكنة، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنها وليت حركة، ولو بنيت من ذوات الواو مفعلاً لصار مفعلاً لأن الواو لا تكون طرفاً وقبلها متحرك في الأسماء المتمكنة غير المتقيدة بالإضافة، ألا ترى أنهم حين سموا بيغزو الغازي من الضمير قالوا : بغز حين صار اسماً، وهذا الإعلال أرجح من التصحيح، ولأنه اعتل في رضي وفي رضيان تثنية رضي. وقرأ ابن أبي عبلة : مرضواً مصححاً. وقالت العرب : أرض مسنية ومسنوة، وهي التي تستقي بالسواني.
و﴿إِدْرِيسَ﴾ هو جد أبي نوح وهو أخنوخ، وهو أول من نظر في النجوم والحساب، وجعله الله من معجزاته وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط، وكان خياطاً وكانوا قبل يلبسون الجلود، وأول مرسل بعد آدم
١٩٩
وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل. وقال ابن مسعود : هو إلياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلاّ الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا. و﴿إِدْرِيسَ﴾ اسم أعجمي منع من الصرف للعلمية والعجمة، ولا جائز أن يكون إفعيلاً من الدرس كما قال بعضهم لأنه كان يجب صرفه إذ ليس فيه إلاّ سبب واحد وهو العلمية.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معنى ﴿إِدْرِيسَ﴾ في تلك اللغة قريباً من ذلك أي من معنى الدرس، فحسبه القائل مشتقاً من الدرس. والمكان العلي شرف النبوة والزلفى عند الله، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة انتهى. وقاله جماعة وهو رفع النبوة والتشريف والمنزلة في السماء كسائر الأنبياء. وقيل : بل رفع إلى السماء. قال ابن عباس : كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة، فلقي هنالك ملك الموت فقال له : إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إدريس وإتي لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد : هذا إدريس معي فقبض روحه. وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس. وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة وأنس يقتضي أنه في السماء الرابعة. وعن الحسن : إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة. وقال قتادة : يعبد الله مع الملائكة في السماء السابعة، وتارة يرفع في الجنة حيث شاء. وقال مقاتل : هو ميت في السماء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿أُوالَئاِكَ﴾ إشارة إلى من تقدم ذكره في هذه السورة من الأنبياء و﴿مِنْ﴾ في ﴿مِّنَ النَّبِيِّـانَ﴾ للبيان، لأن جميع الأنبياء منعم عليهم و﴿مِنْ﴾ الثانية للتبعيض، وكان إدريس ﴿مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ﴾ لقربه منه لأنه جد أبي نوح وإبراهيم من ذرية من حمل من نوح، لأنه من ولد سام بن نوح ﴿وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ إسحاق وإسماعيل ويعقوب وإسرائيل معطوف على إبراهيم، وزكريا ويحيى وموسى وهارون من ذرية إسرائيل، وكذلك عيسى لأن مريم من ذريته.
﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا﴾ يحتمل العطف على ﴿مِنْ﴾ الأولى أو الثانية، والظاهر أن ﴿الَّذِينَ﴾ خبر لأولئك. ﴿وَإِذَا تُتْلَى ﴾ كلام مستأنف، ويجوز أن يكون ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لأولئك والجملة الشرطية خبر. وقرأ الجمهور ﴿تُتْلَى ﴾ بتاء التأنيث. وقرأ عبد الله وأبو جعفر وشيبة وشبل بن عباد وأبو حيوة وعبد الله بن أحمد العجلي عن حمزة وقتيبة في رواية وورش في رواية النحاس، وابن ذكوان في رواية التغلي بالياء. وانتصب ﴿سُجَّدًا﴾ على الحال المقدرة قاله الزجاج لأنه حال خروره لا يكون ساجداً، والبكي جمع باك كشاهد وشهود، ولا يحفظ فيه جمعه المقيس وهو فعلة كرام ورماة والقياس يقتضيه.