وقرأ الجمهور بضم الباء وعبد الله ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي بكسرها اتباعاً لحركة الكاف كعصي ودلي، والذي يظهر أنه جمع لمناسبة الجمع قبله. قيل : ويجوز أن يكون مصدر البكا بمعنى بمكاء، وأصله بكو وكجلس جلوساً. وقال ابن عطية : وبكسر الباء وهو مصدر لا يحتمل غير ذلك انتهى. وقوله ليس بسديد لأن اتباع حركة الكاف لا تعين المصدرية، ألا تراهم قروؤا ﴿جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ بكسر الجيم جمع جاث، وقالوا عصي فاتبعوا.
﴿فَخَلَفَ مِنا بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَواةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَأُوالَئاِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْـاًا * جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَـانُ عِبَادَه بِالْغَيْبِا إِنَّه كَانَ وَعْدُه مَأْتِيًّا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلَـامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا * وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَا لَه مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَالِكَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
نزل ﴿فَخَلَفَ﴾ في اليهود عن ابن عباس ومقاتل، وفيهم وفي النصارى عن السدي، وفي قوم من أمّة الرسول يأتون عند ذهاب صالحيها يتبارزون بالزنا ينزو في الأزقة بعضهم على بعض عن مجاهد وقتادة وعطاء ومحمد بن كعب القرظي. وعن وهب : هم شرابو القهوة، وتقدم الكلام على ﴿خَلْفٌ﴾ في الأعراف، وإضاعة الصلاة تأخيرها عن وقتها قاله ابن مسعود والنخعي والقاسم بن مخيمرة ومجاهد وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز. وقال القرظي واختاره الزجاج : إضاعتها الإخلال بشروطها. وقيل : إقامتها في غير الجماعات. وقيل : عدم اعتقاد وجوبها. وقيل : تعطيل المساجد والاشتغال بالصنائع. والاسباب، و﴿الشَّهَوَاتِ﴾ عام في كل مشتهى يشغل عن الصلاة وذكر الله. وعن عليّ من بني الشديد وركب المنظور ولبس المشهور. وقرأ عبد الله والحسن وأبو رزين العقيلي والضحاك وابن مقسم الصلوات جمعاً. والغيّ عند العرب كل شر، والرشاد كل خير. قال الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمرهومن يغو لا يعدم على الغي لائماًوقال الزجاج : هو على حذف مضاف أي جزاء غي كقوله ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ أي مجازة آثام. وقال ابن زيد : الغي الخسران والحصول في الورطات. وقال عبد الله بن عمرو وابن مسعود وكعب : غيّ واد في جهنم. وقال ابن زيد : ضلال. وقال الزمخشري : أو ﴿غَيًّا﴾ عن طريق الجنة. وحكى الكرماني : آبار في جهنم يسيل إليها الصديد والقيح. وقيل : هلاك. وقيل : شر. وقرىء فيما حكى الأخفش ﴿يَلْقَوْنَ﴾ بضم الياء وفتح اللام وشد القاف.
﴿إِلا مَن تَابَ﴾ استثناء ظاهره الاتصال. وقال الزجاج : منقطع ﴿وَءَامَنَ﴾ هذا يدل على أن تلك الإضاعة كفر، وقرأ الحسن ﴿يَدْخُلُونَ﴾ مبنياً للفاعل، وكذا كل ما في القرآن من ﴿يَدْخُلُونَ﴾. وقرأ كذلك هنا الزهري وحميد وشيبة والأعمش وابن أبي ليلى وابن مناذر وابن سعدان. وقرأ ابن غزوان عن طلحة : سيدخلون بسين الاستقبال مبنياً للفاعل.
وقرأ الجمهور جنات نصباً جمعاً بدلاً من ﴿الْجَنَّةُ﴾ ﴿وَلا يُظْلَمُونَ شَيْـاًا﴾ اعتراض أو حال. وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر والأعمش وأحمد بن موسى عن أبي عمر و﴿جَنَّـاتِ﴾ رفعاً جمعاً أي تلك جنات وقال الزمخشري الرفع على الابتداء انتهى يعني والخبر ﴿الَّتِى﴾. وقرأ الحسن بن حي وعليّ بن صالح جنة عدن نصباً مفرداً ورويت عن الأعمش وهي كذلك في مصحف عبد الله. وقرأ اليماني
٢٠١
والحسن وإسحاق الأزرق عن حمزة جنة رفعاً مفرداً و﴿عَدْنٍ﴾ إن كان علماً شخصياً كان التي نعتاً لما أضيف إلى ﴿عَدْنٍ﴾ وإن كان المعنى إقامة كان ﴿الَّتِى﴾ بدلاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وقال الزمخشري :﴿عَدْنٍ﴾ معرفة علم لمعنى العدن وهو الإقامة، كما جعلوا فينة وسحر وأمس في من لم يصرفه أعلاماً لمعاني الفينة والسحر والأمس، فجرى العدن كذلك. أو هو علم الأرض الجنة لكونها مكان إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلاّ موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي انتهى.


الصفحة التالية
Icon