وثالثها : أن ما في مساقه ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ لا يليق بحال التكليف ولا يوصف به الرسول انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وقرأ الجمهور ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ﴾ بالنون عنى جبريل نفسه والملائكة. وقرأ الأعرج بالياء على أنه خبر من الله. قيل : والضمير في يتنزل عائد على جبريل عليه السلام. قال ابن عطية : ويردّه له ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبراً عن جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي انتهى. ويحمل ذلك القول على إضمار أي وما يتنزل جبريل إلاّ بأمر ربك قائلاً له ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ أي يقول ذلك على سبيل الاستعذار في البطء عنك بأن ربك متصرف فينا ليس لنا أن نتصرف إلاّ بمشيئته، وإخبار أنه تعالى ليس بناسيك وإن تأخر عنك الوحي.
وارتفع ﴿رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ﴾ على البدل أو على خبر مبتدأ محذوف. وقرأ الجمهور ﴿هَلْ تَعْلَمُ﴾ بإظهار اللام عند التاء. وقرأ الأخوان وهشام وعليّ بن نصر وهارون كلاهما عن أبي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن بالإدغام فيهما. قال أبو عبيدة هما لغتان وعلى الإدغام أنشدوا بيت مزاحم العقيلي :
فذرذا ولكن هثعين متيماعلى ضوء برق آخر الليل ناصب وعدي فاصطبر باللام على سبيل التضمين أي اثبت بالصبر لعبادته لأن العبادة تورد شدائد، فاثبت لها وأصله التعدية بعلى كقوله تعالى ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ والسميّ من توافق في الاسم تقول : هذا سميك أي
٢٠٤
اسمه مثل اسمك، فالمعنى أنه لم يسم بلفظ الله شيء قط، وكان المشركون يسمون أصنامهم آلهة والعزّى إله وأما لفظ الله فلم يطلقوه على شيء من أصنامهم. وعن ابن عباس : لا يسمى أحد الرحمن غيره. وقيل : يحتمل أن يعود ذلك على قوله ﴿رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي هل تعلم من يسمى أو يوصف بهذا الوصف، أي ليس أحد من الأمم يسمى شيئاً بهذا الاسم سوى الله. وقال مجاهد وابن جبير وقتادة ﴿سَمِيًّا﴾ مثلاً وشبيهاً، وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً. قال ابن عطية : وكان السميّ بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو، وهذا قول حسن ولا يحسن في ذكر يحيى انتهى. يعني لم نجعل له من قبل ﴿سَمِيًّا﴾. وقال غيره : يقال فلان سميّ فلان إذا شاركه في اللفظ، وسمِّيه إذا كان مماثلاً له في صفاته الجميلة ومناقبه. ومنه قول الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
فأنت سمي للزبير ولست للزبير
سمياً إذ غدا ما له مثل
وقال الزجاج : هل تعلم أحداً يستحق أن يقال له خالق وقادراً إلاّ هو. وقال الضحاك : ولداً رداً على من يقول ولد الله.
﴿وَيَقُولُ الانسَـانُ﴾.
٢٠٥
قيل : سبب النزول أن رجلاً من قريش قيل هو أُبَيّ بن خلف جاء بعظم رفات فنفخ فيه، وقال للرسول : أيبعث هذا ؟ وكذب وسخر، وإسناد هذه المقالة للجنس بما صدر من بعضهم. كقول الفرزدق :
فسيف بني عبس وقد ضربوا بهنبا بيدي ورقاء عن رأس خالد أسند الضرب إلى بني عبس مع قوله نبا بيدي، ورقاء وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، أو للجنس الكافر المنكر للبعث أو المعنى أُبَيّ بن خلف، أو العاصي بن وائل، أو أبو جهل، أو الوليد بن المغيرة أقوال.
وقرأ الجمهور بهمزة الاستفهام. وقرأت فرقة منهم ابن ذكوان بخلاف عنه إذا بدون همزة الاستفهام. وقرأ الجمهور ﴿مِتُّ لَسَوْفَ﴾ باللام. وقرأ طلحة بن مصرف سأخرج بغير لام وسين الاستقبال عوض سوف، فعلى قراءته تكون إذا معمولاً لقوله سأخرج لأن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده من الفعل فيما قبله، على أن فيه خلافاً شاذاً وصاحبه محجوج بالسماع. قال الشاعر :
فلما رأته آمناً هان وجدهاوقالت أبونا هكذا سوف يفعل
فهكذا منصوب بينفعل وهو بحرف الاستقبال. وحكى الزمخشري أن طلحة بن مصرف قرأ لسأخرج، وأما على قراءة الجمهور وما نقله الزمخشري من قراءة طلحة فاللام لام الابتداء فلا يعمل ما
٢٠٦
بعدها فيما قبلها، فيقدر العالمل محذوفاً من معنى ﴿لَسَوْفَ أُخْرَجُ﴾ تقديره إذا ما مت أبعث.
وقال الزمخشري : فإن قلت لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال، فكيف جامعت حرف الاستقبال ؟ قلت : لم تجامعها إلاّ مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض، واضمحل عنها معنى التعريف انتهى.


الصفحة التالية
Icon