والجناح حقيقة في الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد وعلى العضد وعلى جنب الرجل. وقيل لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة، وسمي جناح الطائر لأنه يجنح به عند الطيران، ولما كان المرغوب من ظلمة أو غيرها إذا ضم يده إلى جناحه فتر رغبة وربط جأشه أمره تعالى أن يضم يده إلى جناحه ليقوى جأشه ولتظهر له هذه الآية العظيمة في اليد. والمراد إلى جنبك تحت العضد. ولهذا قال ﴿تُخْرِجُ﴾ فلو لم يكن دخول لم يكن خروج كما قال في الآية الأخرى ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ﴾ وفي الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم وإنما يترتب على الإخراج والتقدير ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ تنضم وأخرجها ﴿تُخْرِجُ﴾ فحذف من الأول وأبقى مقابله، ومن الثاني وأبقى مقابله وهو لأنه بمعنى أدخل كما يبين في الآية الأخرى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
﴿جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾ قيل خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس، وكان آدم اللون وانتصب ﴿بَيْضَآءَ﴾ على الحال والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكما كنوا عن جذيمة وكان أبرص بالأبرص والبرص أبغض شيء إلى العرب وطباعهم تنفر منه وأسماعهم تمج ذكره فكنى عنه. وقوله ﴿مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾ متعلق ببيضاء كأنه قال ابيضت ﴿مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾. وقال الحوفي :﴿مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾ في موضع النعت لبيضاء، والعامل فيه الاستقرار انتهى. ويقال له عند أرباب البيان الاحتراس لأنه لو اقتصر على قوله ﴿بَيْضَآءَ﴾ لأوهم أن ذلك من برص أو بهق. وانتصب ﴿ءَايَةً﴾ على الحال وهذا على مذهب من يجيز تعداد الحال لذي حال واحد. وأجاز الزمخشري أن يكون منصوباً على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك حذف لدلالة الكلام كذا قال، فأما تقدير خذ فسائغ وأما دونك فلا يسوغ لأنه اسم فعل من باب الإغراء فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب عنه ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه، وأجاز أبو البقاء والحوفي أن يكون ﴿ءَايَةً﴾ بدلاً من ﴿بَيْضَآءَ﴾ وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً من الضمير في ﴿بَيْضَآءَ﴾ أي تبيض ﴿ءَايَةً﴾. وقيل منصوب بمحذوف تقديره جعلناها ﴿ءَايَةً﴾ أو آتيناك ﴿ءَايَةً﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
واللام في ﴿لِنُرِيَكَ﴾ قال الحوفي متعلقة باضمم، ويجوز أن تتعلق بتخرج. وقال أبو البقاء : تتعلق بهذا المحذوف يعني المقدر جعلناها أو آتيناك، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه ﴿ءَايَةً﴾ أي دللنا بها ﴿لِنُرِيَكَ﴾. وقال الزمخشري :﴿لِنُرِيَكَ﴾ أي خذ هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض ﴿الْكُبْرَى * اذْهَبْ﴾ أو ﴿لِنُرِيَكَ﴾ بهما ﴿الْكُبْرَى﴾ من ﴿ءَايَـاتُنَا﴾ أو ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى﴾ فعلنا ذلك، وتهنى أنه جاز أن يكون مفعول ﴿لِنُرِيَكَ﴾ الثاني ﴿الْكُبْرَى﴾ أو يكون ﴿مِنْ ءَايَـاتِنَا﴾ في موضع المفعول الثاني. وتكون ﴿الْكُبْرَى﴾ صفة لآياتنا على حد ﴿الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ و﴿قَالَ هِىَ﴾ بجريان مثل هذا
٢٣٦
الجمع مجرى الواحدة المؤنثة، وأجاز هذين الوجهين من الإعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. والذي نختاره أن يكون ﴿مِنْ ءَايَـاتِنَا﴾ في موضع المفعول الثاني، و﴿الْكُبْرَى﴾ صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون إياته تعالى كلها هي الكبر لأن ما كان بعض الآيات الكبر صدق عليه أنه ﴿الْكُبْرَى﴾. وإذا جعلت ﴿الْكُبْرَى﴾ مفعولاً لم تتصف الآيات بالكبر لأنها هي المتصفة بأفعل التفضيل، وأيضاً إذا جعلت ﴿الْكُبْرَى﴾ مفعولاً فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معاً لأنهما كان يلزم التثنية في وصفيهما فكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلاً منهما فيها معنى التفضيل. ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى﴾ لأنه جعل ﴿الْكُبْرَى﴾ مفعولاً ثانياً ﴿لِنُرِيَكَ﴾ وجعل ذلك راجعاً إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلاّ تغيير اللون، وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الشجر والحجر، ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مراراً فكانت أعظم من اليد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١