كم معشر سلموا لم يؤذهم سبعوما نرى بشراً لم يؤذهم بشر فالملك يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أموره. وقال الأصمعي : هو من المؤازرة وهي المعاونة والمساعدة، والقياس أزير وكذا قال الزمخشري : قال وكان القياس أزير فقلبت الهمزة إلى الواو ووجه قلبها أن فعيلاً جاء في معنى مفاعل مجيأ صالحاً كعشير وجليس وقعيد وخليل وصديق ونديم، فلما قلب في أخيه قلبت فيه، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز. ونظراً إلى يوازر وأخواته وإلى الموازرة انتهى ولا حاجة إلى ادعاء قلب الهمزة واواً لأن لنا اشتقاقاً واضحاً وهو الوزر، وأما قلبها في يؤازر فلأجل
٢٣٩
ضمة ما قبل الواو وهو أيضاً إبدال غير لازم، وجوزوا أن يكون ﴿لِّى وَزِيرًا﴾ مفعولين لاجعل و﴿هَـارُونَ﴾ بدل أو عطف بيان، وأن يكون ﴿وَزِيرًا﴾ و﴿هَـارُونَ﴾ مفعولية، وقدم الثاني اعتناء بأمر الوزارة و﴿أَخِى﴾ بدل من ﴿هَـارُونَ﴾ في هذين الوجهين.
قال الزمخشري : وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن انتهى. ويبعد فيه عطف البيان لأن الأكثر في عطف البيان أن يكون الأول دونه في الشهرة، والأمر هنا بالعكس. وجوزوا أن يكون ﴿وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى﴾ هما المفعولان و﴿لِّى ﴾ مثل قوله ﴿وَلَمْ يَكُن لَّه كُفُوًا أَحَدُ﴾ يعنون أنه به يتم المعنى. و﴿هَـارُونَ﴾ على ما تقدم. وجوزوا أن ينتصب ﴿هَـارُونَ﴾ بفعل محذوف أي اضم إليّ هارون وهذا لا حاجة إليه لأن الكلام تام بدون هذا المحذوف.
وقرأ الحسن وزيد بن عليّ وابن عامر ﴿اشْدُدْ﴾ بفتح الهمزة ﴿وَأَشْرِكْهُ﴾ بضمها فعلاً مضارعاً مجزوماً على جواب الأمر وعطف عليه ﴿وَأَشْرِكْهُ﴾. وقال صاحب اللوامح عن الحسن أنه قرأ أشدِّد به مضارع شدّد للتكثير، والتكرير أي كلما حزنني أمر شددت ﴿بِهِا أَزْرِى﴾. وقرأ الجمهور ﴿اشْدُدْ﴾ ﴿وَأَشْرِكْهُ﴾ على معنى الدعاء في شد الأزر وتشريك هارون في النبوة، وكان الأمر في قراءة ابن عامر لا يريد به النبوة بل يريد تدبيره ومساعدته لأنه ليس لموسى أن يشرك في النبوة أحداً. وفي مصحف عبد الله أخي وأشدد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
وقال الزمخشري : ويجوز فيمن قرأ على لفظ الأمر أن يجعل ﴿أَخِى﴾ مرفوعاً على الابتداء ﴿وَاشْدُدْ﴾ خبره ويوقف على ﴿هَـارُونَ﴾ انتهى. وهو خلاف الظاهر فلا يصار إليه لغير حاجة، وكان هارون أكبر من موسى بأربعة أعوام، وجعل موسى ما رغب فيه وطلبه من نعم سبباً تلزم منه العبادة والاجتهاد في أمر الله والتظافر على العبادة والتعاون فيها مثير للرغبة والتزيد من الخير.
﴿كَىْ نُسَبِّحَكَ﴾ ننزهك عما لا يليق بك ﴿وَنَذْكُرَكَ﴾ بالدعاء والثناء عليك وقدم التسبيح لأنه تنزيهه تعالى في ذاته وصفاته وبراءته عن النقائص، ومحل ذلك القلب والذكر والثناء على الله بصفات الكمال ومحله اللسان، فلذلك قدم ما محله القلب على ما محله اللسان. و﴿كَثِيرًا﴾ نعت لمصدر محذوف أو منصوب على الحال، أي نسبحك التسبيح في حال كثرتهم على ما ذهب إليه سيبويه ﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ عالماً بأحوالنا. والسؤل فعل بمعنى المسؤل كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول، والمعنى أعطيت طلبتك وما سألته من شرح الصدر وتيسر الأمر وحل العقدة، وجعل أخيك وزيراً وذلك من المنة عليه.
ثم ذكره تعالى تقديم منته عليه على سبيل التوقيف ليعظم اجتهاده وتقوي بصيرته و﴿مَرَّةٍ﴾ معناه منة و﴿أُخْرَى ﴾ تأنيث آخر بمعنى غير أي منة غير هذه المنة، وليست ﴿أُخْرَى ﴾ هنا بمعنى آخرة فتكون مقابلة للأولى، وتخيل ذلك بعضهم فقال : سماها ﴿أُخْرَى ﴾ وهي أولى لأنها ﴿أُخْرَى ﴾ في الذكر والأخرى لفظ مشترك يكون تأنيث الآخر بفتح الخاء وتأنيث الآخر بمعنى آخره فهذه يلحظ فيها معنى التأخر. والمعنى أني قد حفظتك وأنت طفل رضيع فكيف لا أحفظك وقد أهلتك للرسالة. وفي قوله ﴿مَرَّةً أُخْرَى ﴾ إجمال يفسره قوله ﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ﴾. قال الجمهور : هي وحي إلهام كقوله ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾. وقيل : وحي إعلام إما بإراءة ذلك في منام، وإما ببعث ملك إليها لا على جهة النبوّة كما بعث إلى مريم وهذا والظاهر لظاهر قوله ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُا﴾ ولظاهر آية القصص ﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ويبعد ما صدر به الزمخشري قوله : من يرد يده إما أن يكون على لسان نبي في وقتها كقوله ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّـانَ﴾ لأنه لم ينقل أنه كان في زمن فرعون، وكان في زمن الحواريين زكريا ويحيى. وفي قوله ﴿مَا يُوحَى ﴾ إبهام وإجمال كقوله ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ ﴿فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ وفيه تهويل وقد فسر هنا بقوله ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
قال الزمخشري :
٢٤٠


الصفحة التالية
Icon