من القول، فسلما على متبعي الهدى وفي هذا توبيخ له. وفي هذا المعنى استعمل الناس هذه الآية في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وقيل : هو مدرج متصل بقوله ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَآ﴾ فيكون إذ ذاك خبراً بسلامة المهتدين من العذاب. وقيل ﴿عَلَى﴾ بمعنى اللام أي والسلامة ﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقال الزمخشري : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين انتهى. وهو تفسير غريب.
وقد يقال : السلام هنا السلامة من العذاب بدليل قوله ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ وبنيْ ﴿أَوْحَى ﴾ لما لم يسم فاعله، ولم يذكر الموحى لأن فرعون كانت له بادرة فربما صدر منه في حق الموحى ما لا يليق به، والمعنى على من كذب الأنبياء وتولى عن الإيمان. وقال ابن عباس هذه أرجى آية في القرآن لأن المؤمن ما كذب وتولى فلا يناله شيء من العذاب. وفي الكلام حذف تقديره فأتيا فرعون وقالا له ما أمرهما الله أن يبلغاه قال ﴿فَمَن رَّبُّكُمَا يَـامُوسَى ﴾ خاطبهما معاً وأفرد بالنداء موسى. قال ابن عطية : إذ كان صاحب عظم الرسالة وكريم الآيات. وقال الزمخشري لأنه الأصل في النبوة وهارون وزيره وتابعه، ويحتمل أن يحمله خبثه وذعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى، ويدل عليه قوله ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هذا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ انتهى.
واستبد موسى عليه السلام بجواب فرعون من حيث خصه بالسؤال والنداء معاً ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك لفرعون فيها ولا حيث خصه بالسؤال والنداء معاً ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك لفرعون فيها ولا بوجه مجاز. قال الزمخشري : ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق انتهى. والمعنى أعطى كل ما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديراً. وقال الشاعر :
وله في كل شيء خلقةوكذلك الله ما شاء فعل
وهذا قول مجاهد وعطية ومقاتل وقال الضحاك من المنفعة المنوطة به المطابقة له ﴿خَلْقَه ثُمَّ هَدَى ﴾ أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه، فأعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه. قال القشيري : والخلق المخلوق لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء، وعلى هذا مفعول ﴿أَعْطَى ﴾ الأول ﴿كُلِّ شَىْءٍ ﴾ والثاني ﴿خَلَقَهُ﴾ وكذا في قول ابن عباس وابن جبير والسدّي وهو أن المعنى ﴿أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ﴾ مخلوقه من جنسه أي كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة. فلم يزاوج منهما غير جنسه ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه. وعن ابن عباس أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة. وقال الحسن وقتادة ﴿أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ﴾ صلاحه وهداه لما يصلحه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقيل ﴿كُلِّ شَىْءٍ ﴾ هو المفعول الثاني لأعطى و﴿خَلَقَهُ﴾ المفعول الأول أي ﴿أَعْطَى ﴾ خليقته ﴿كُلِّ شَىْءٍ ﴾ يحتاجون إليه ويرتفقون به. وقرأ عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبو نهيك وابن أبي إسحاق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام خَلَقَهُ بفتح اللام فعلاً ماضياً في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء، ومفعول ﴿أَعْطَى ﴾ الثاني حذف اقتصاراً أي ﴿كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ﴾ لم يخله من عطائه وإنعامه ﴿ثُمَّ هَدَى ﴾ أي عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه. وقيل : حذف اختصاراً لدلالة المعنى عليه، أي ﴿أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ﴾ ما يحتاج إليه وقدره ابن عطية كماله أو مصلحته.
﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاولَى ﴾ لما أجابه موسى بجواب مسكت، ولم يقدر فرعون على معارضته فيه انتقل
٢٤٧