﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِا أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُم إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لاوْلِى النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى * وَلَقَدْ أَرَيْنَـاهُ ءَايَـاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَـامُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِا فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُه نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَه ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍا وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَـازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾.
ولما ذكر موسى دلالته على ربوبية الله تعالى وثم كلامه عند قوله ﴿وَلا يَنسَى﴾ ذكر تعالى ما نبه به على قدرته تعالى ووحدانيته، فأخبر عن نفسه بأنه تعالى هو الذي صنع كيت وكيت، وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾
٢٥٠
وقوله ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ﴾ وقوله ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَـاهُ﴾ فيكون قوله ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ و﴿أَرَيْنَـاهُ﴾ التفاتاً من الضمير الغائب في وسلك إلى ضمير المتكلم لمعظم نفسه، ولا يكون الالتفات من قائلين وأبعد من ذهب إلى أن الذي نعت لقوله ﴿إِنَّه رَبِّى ﴾ فيكون في موضع رفع أو يكون في موضع نصب على المدح وقالهما الحوفي والزمخشري لكونه كان يكون كلام موسى فلا يتأتى الالتفات في قوله ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَـاهُ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ من كلام موسى حكاية عن الله تعالى على تقدير يقول عز وجل ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ ويحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ ثم وصل الله كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلّم والمراد بالخطاب في لكم الخلق أجمع نبههم على هذه الآيات. وقرأ الأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة والكسائي ﴿مِهَـادًا﴾ بفتح الميم وإسكان الهاء، وباقي السبعة مهاداً وكذا في الزخرف فقال المفضل : مصدران مهد مهداً ومهاداً. وقال أبو عبيد : مهاد اسم، ومهد الفعل يعني المصدر. وقال آخر ﴿مِهَـادًا﴾ مفرد ومهاد جمعه، ومعنى ذلك أنه تعالى جعلها لهم يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم، ونهج لكم فيها طرقاً لمقاصدكم حتى لا تتعذر عليكم مصالحكم. والضمير في ﴿بِهِ﴾ عائد على الماء أي بسببه.
﴿أَزْوَاجًا﴾ أي أصنافاً وهذا الالتفات في أخرجنا كهو في قوله ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا﴾ ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنابَتْنَا﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِا نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وفي هذا الالتفات تخصيص أيضاً بأنا نحن نقدر على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة أحد والأجود أن يكون ﴿شَتَّى ﴾ في موضع نصب نعتاً لقوله ﴿أَزْوَاجًا﴾ لأنها المحدث عنها.
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة للنبات، والنبات مصدر سُمِّيَ به النابت كما سُمِّيَ بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع، يعني أنها ﴿شَتَّى ﴾ مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣