وتداعوا إلى الإتيان ﴿صَفًّا﴾ لأنه أهيب في عيون الرائين، وأظهر في التمويه وانتصب ﴿صَفًّا﴾ على الحال أي مصطفين أو مفعولاً به إذ هو المكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم. وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه ثم ايتوا بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء تخفيفاً. قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم. وقال صاحب اللوامح : وذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في العامة كذلك ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ﴾ أي ظفر وفاز ببغيته من طلب العلوّ في أمره وسعى سعيه، واختلفوا في عدد السحرة اختلافاً مضطرباً جداً فأقل ما قيل أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر عصي وحبال، وأكثر ما قيل تسعمائة ألف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
٢٥٦
﴿فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِا خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَـاحِرٍا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـارُونَ وَمُوسَى * قَالَ ءَامَنتُمْ لَه قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُم إِنَّه لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَا فَلاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـافٍ وَلاصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾.
في الكلام حذف تقديره فجاؤوا مصطفين إلى مكان الموعد، وبيد كل واحد منهم عصا وحبل، وجاء موسى وأخوه ومعه عصاه فوقفوا و﴿قَالُوا يَـا أَبَانَا﴾ وذكروا الإلقاء لأنهم علموا أن آية موسى في إلقاء العصا. قيل : خيروه ثقة منهم بالغلب لموسى، وكانوا يعتقدون أن أحداً لا يقاومهم في السحر. وقال الزمخشري : وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وتواضع له وخفض جناح، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكان الله عز وجل ألهمهم ذلك وعلم موسى عليه السلام اختيار إلقائهم أولاً مع ما فيه من مقابلة الأدب بأدب
٢٥٧
حتى يبرزوا ما معهم من مكائد السحر ويستنفذوا أقصى طرقهم ومجهودهم، فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية بينة للناظرين بينة للمعتبرين انتهى. وهو تكثير وخطابة وإن ما بعده ينسبك بمصدر فإما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً والمعنى أنك تختار أحد الأمرين، وقدّر الزمخشري الرفع الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا فجعله خبر المبتدأ محذوف، واختار أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره إلقاؤك أول ويدل عليه قوله ﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾ فتحسن المقابلة من حيث المعنى وإن كان من حيث التركيب اللفظي لم تحصل المقابلة لأنا قدّرنا إلقاؤك أول، ومقابلة كونهم يكونون أول من يلقي لكنه يلزم من ذلك أن يكون إلقاؤهم أول فهي مقابلة معنوية. وفي تقدير الزمخشري الأمر إلقاؤك لا مقابلة فيه.
وقدّر الزمخشري النصب اختر أحد الأمرين وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وتفسير الإعراب ﴿إِمَّا﴾ نختار ﴿أَن تُلْقِىَ﴾ وتقدم نحو هذا التركيب في الأعراف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾ لا يكون الأمر بالإلقاء من باب تجويز السحر والأمر به لأن الغرض في ذلك الفرق بين إلقائهم والمعجزة، وتعين ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة إذ الأمر مقرون بشرط أي ألقوا إن كنتم محقين لقوله ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ ثم قال ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ وفي الكلام حذف تقديره فألقوا فإذا.
قال أبو البقاء :﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ﴾ الفاء جواب ما حذف وتقديره فألقوا وإذا في هذا ظرف مكان، والعامل فيه ألقوا انتهى. فقوله ﴿فَإِذَآ﴾ الفاء جواب ما حذف وتقديره فألقوا ليست هذه فاء جواب لأن فألقوا لا تجاب، وإنما هي للعطف عطفت جملة المفاجأة على ذلك المحذوف. وقوله وإذا في هذا ظرف مكان يعني أن إذا التي للمفاجأة ظرف مكان
٢٥٨
وهو مذهب المبرد وظاهر كلام سيبويه، وقوله : والعامل فيه ألقوا ليس بشيء لأن الفاء تمنع من العمل ولأن إذا هذه إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو ﴿حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ إن لم يجعلها هي في موضع الخبر، لأنه يجوز أن يكون الخبر يخيل، ويجوز أن تكون إذا ويخيل في موضع الحال، وهذا نظير : خرجت فإذا الأسد رابض ورابضاً فإذا رفعنا رابضاً كانت إذا معمولة، والتقدير فبالحضرة الأسد رابض أو في المكان، وإذا نصبتا كانت خبراً ولذلك تكتفي بها، وبالمرفوع بعدها كلاماً نحو خرجت فإذا الأسد.