والطيبات هنا الحلال اللذيذ لأنه جمع الوصفين. وقرىء ﴿الايْمَنِ﴾ قال الزمخشري بالجر على الجوار نحو جحر ضب خرب انتهى. وهذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه، والصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن وأما لكونه على يمين من يستقبل الجبل، ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم وهو أن يتعدوا حدود الله فيها بأن يكفروها ويشغلهم اللهو والنعم عن القيام بشكرها، وأن ينفقوها في المعاصي ويمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
وقرأ زيد بن علي ولا تَطْغُوا فيه بضم الغين.. وعن ابن عباس ﴿وَلا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ لا يظلم بعضكم بعضاً فيأخذه من صاحبه يعني بغير حق. وعن الضحاك ومقاتل : لا تجاوزوا حدَّ الإباحة. وعن الكلبي : لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي على مخالفتي. وقرأ الجمهور ﴿فَيَحِلَّ﴾ بكسر الحاء ﴿وَمَن يَحْلِلْ﴾ بكسر اللام أي فيجب ويلحق. وقرأ الكسائي بضم الحاء ولام يحلُل أي ينزل وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتيبة في يحلل فضم، وفي الإقناع لأبي علي الأهوازي ما نصه ابن غزوان عن طلحة لا يحلن عليكم ﴿غَضَبِى ﴾ بلام ونون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء أي : لا تتعرضوا للطغيان فيه فيحل عليكم غضبي من باب لا أرينك هنا وفي كتاب اللوامح قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش فَيُحَّلُ بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال فهو متعد من حل بنفسه، والفاعل فيه مقدر ترك لشهرته وتقديره فيحل به طغيانكم ﴿غَضَبِى ﴾ عليكم ودل على ذلك ﴿وَلا تَطْغَوْا ﴾ فيصير ﴿غَضَبِى ﴾ في موضع نصب مفعول به. وقد يجوز أن يسند الفعل إلى ﴿غَضَبِى ﴾ فيصير في موضع رفع بفعله، وقد حذف منه المفعول للدليل عليه وهو العذاب أو نحوه انتهى. ﴿فَقَدْ هَوَى ﴾ كنى به عن الهلاك، وأصله أن يسقط من جبل فيهلك يقال هوى الرجل أي سقط، ويشبه الذي
٢٦٥
يقع في ورطة بعد أن بنجوة منها بالساقط، أو ﴿هَوَى ﴾ في جهنم وفي سخط الله وغضب الله عقوباته، ولذلك وصف بالنزول.
ولما حذر تعالى من الطغيان فيما رزق وحذر من حلول غضبه فتح باب الرجاء للتائبين وأتى بصيغة المبالغة وهي قوله ﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ قال ابن عباس من الشرك ﴿وَءَامَنَ﴾ أي وحد الله ﴿وَعَمِلَ صَـالِحًا﴾ أدى الفرائض ﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ لزم الهداية وأدامها إلى الموافاة على الإسلام. وقيل : معناه لم يشك في إيمانه. وقيل : ثم استقام. قال ابن عطية : والذي تقوى في معنى ﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن يخالف الحق في شيء من الأشياء، فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل. وقال الزمخشري : الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح، ونحوه :﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا ﴾ وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمر، وأعني أن منزلة الاستقامة على الخبر مباينة لمنزلة الخبر نفسه لأنها أعلى منه وأفضل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَـامُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنا بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِا غَضْبَـانَ أَسِفًا قَالَ يَـاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى * قَالُوا ﴾.
لما نهض موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى جانب الطور الأيمن حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بما فيه شرف العاجل والآجل، رأى على وجه الاجتهاد أن يقدم وحده مبادراً إلى أمر الله وحرصاً على القرب منه وشوقاً إلى مناجاته، واستخلف هارون على بني إسرائيل وقال لهم موسى : تسيرون إلى جانب الطور فلما
٢٦٦
انتهى موسى عليه السلام وناجى ربه، زاده في الأجل عشراً وحينئذ وقفه على استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر فيقع الإعلام له بما صنعوا ﴿وَمَا﴾ استفهام أي أي شيء عجل بك عنهم. قال الزمخشري : وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب ثم تقدمهم شوقاً إلى كلام ربه وينجز ما وعد به بناء على اجتهاده، وظن أن ذلك أقرب إلى رضا الله، وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظراً إلى دواعي الحكمة وعلماً بالمصالح المتعلقة بكل وقت، فالمراد بالقوم النقباء انتهى.


الصفحة التالية
Icon