انتهى. فكلام الزمخشري وابن عطية يدل على أن مساس معدول عن المصدر الذي هو المسة، كفجار معدولاً عن الفجرة ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا﴾ أي في يوم القيامة. وقرأ الجمهور ﴿لَّن تُخْلَفَهُا﴾ بالتاء المضمومة وفتح اللام على معنى لن يقع فيه خلف بل ينجزه لك الله في الآخرة على الشرك والفساد بعدما عاقبك في الدنيا. وقال الزمخشري : وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً. قال الأعشى :
أثوى وقصر ليله ليزوّدافمضى وأخلف من قتيلة موعدا
وقرأ ابن كثير والأعمش وأبو عمرو بضم التاء وكسر اللام أي لن تستطيع الروغان عنه. والحيدة فتزول عن موعد العذاب. وقرأ أبو نهيك : لن تَخْلُفُه بفتح التاء وضم اللام هكذا بالتاء منقوطة من فوق عن أبي نهيك في نقل ابن خالويه. وفي اللوامح أبو نهيك لن يَخْلُفه بفتح الياء وضم اللام وهو من خلفه يخلفه إذا جاء بعده أي الموعد الذي لك لا يدفع قولك الذي تقوله فيما بعد ﴿لا مِسَاسَ﴾ بالفعل
٢٧٥
فهو مسند إلى الموعد أو الموعد لن يختلف ما قدر لك من العذاب في الآخرة. وقال سهل : يعني أبا حاتم لا يعرف لقراءة أبي نهيك مذهباً انتهى. وقرأ ابن مسعود والحسن بخلاف عنه نخلفه بالنون وكسر اللام أي لا ننقص مما وعدنا لك من الزمان شيئاً. وقال ابن جني لن يصادفه مخالفاً. وقال الزمخشري : لن يخلفه الله. حكى قوله عز وكل كما مر في ﴿لاهَبَ لَكِ﴾ انتهى.
ثم وبخ موسى عليه السلام السامري بما أراد أن يفعل بالعجل الذي اتخذه إلهاً من الاستطالة عليه بتغيير هيئته، فواجهه بقوله ﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَـاهِكَ﴾ وخاطبه وحده إذ كان هو رأس الضلال وهو ينظر لقولهم ﴿لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـاكِفِينَ﴾ وأقسم ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ وهو أعظم فساد الصورة ﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّه فِى الْيَمِّ﴾ حتى تتفرق أجزاؤه فلا يجتمع، ويظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل وهو داخل البحر حالة تقدم فرعون وتبعه فرعون في الدخول ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه السامري من الحليّ الذي كان أصله للقبط. وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيهاً على أن ما كان به قيام الحياة آل إلى العدم. وألقى في محل ما قامت به الحياة وإن أموال القبط قذفها الله في البحر بحيث لا ينتفع بها كما قذف الله أشخاص مالكيها في البحر وغرقهم فيه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وقرأ الجمهور ونصر بن عاصم لابن يعمر ﴿ظَلْتَ﴾ بظاء مفتوحة ولام ساكنة. وقرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش بخلاف عنه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن يعمر بخلاف عنه كذلك إلا أنهم كسروا الظاء، وعن ابن يعمر ضمها وعن أُبَيّ والأعمش ظللت بلامين على الأصل، فأما حذف اللام فقد ذكره سيبويه في الشذوذ يعني شذوذ القياس لا شذوذ الاستعمال مع مست وأصله مسست وأحست أصله أحسست، وذكر ابن الأنباري همت وأصله هممت ولا يكون ذلك إلاّ إذا سكن آخر الفعل نحو ظلت إذ أظله ظللت. وذكر بعض من عاصرناه أن ذلك منقاس في كل مضاعف العين واللام في لغة بني سليم حيث تسكن آخر الفعل. وقد أمعنّا الكلام على هذه المسألة في شرح التسهيل من تأليفنا، فأما من كسر الظاء فلأنه نقل حركة اللام إلى الظاء بعد نزع حركتها تقديراً ثم حذف اللام، وأما من ضمها فيكون على أنه جاء في بعض اللغات على فعل بضم العين فيهما، ونقلت ضمة اللام إلى الظاء كما نقلت في حالة الكسر على ما تقرر.
وقرأ الجمهور ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ مشدداً مضارع حرَّق مشدداً. وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر وأبو رجاء والكلبي مخففاً من أحرق رباعياً. وقرأ عليّ وابن عباس وحميد وأبو جعفر في رواية وعمرو بن فائد بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء، والظاهر أن حرق وأحرق هو بالنار. وأما القراءة الثالثة فمعناها لنبردنه بالمبرد يقال حرق يحرق ويحرق بضم راء المضارع وكسرها. وذكر أبو عليّ أن التشديد قد يكون مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. وفي مصحف أُبَيّ وعبد الله لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه وتوافق هذه القراءة من روى أنه صار لحماً ودماً ذا روح، ويترتب الإحراق بالنار على هذا، وأما إذا كان جماداً مصوغاً من الحليّ فيترتب برده لا إحراقه إلا إن عنى به إذابته.
وقال السّدي : أمر موسى بذبح العجل فذبح وسالمنه الدم ثم أحرق ونسف رماده. وقيل : بردت عظامه بالمبرد حتى صارت بحيث يمكن نسفها. وقرأ الجمهور ﴿لَنَنسِفَنَّهُ﴾ بكسر السين. وقرت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم : لِنُنَسِّفنه بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين. والظاهر وقول الجمهور أن موسى تعجل وحده فوقع أمر العجل، ثم جاء موسى وصنع بالعجل ما صنع ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني إسرائيل وأن يطلعهم أيضاً على أمر المناجاة، فكان لموسى عليه السلام نهضتان. وأسند مكي خلاف هذا أن موسى كان مع السبعين في المناجاة وحينئذ وقع أمر العجل،
٢٧٦


الصفحة التالية
Icon