وقيل : سبب الآية أن امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم أن زوجها لطمها، فقال لها "بينكما القصاص" ثم نزلت ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ﴾ ونزلت هذه بمعنى الأمر بالتثبت في الحكم بالقرآن. وقيل : كان إذا نزل عليه الوحي أمر بكتبه للحين، فأمر أن يتأتى حتى يفسر له المعاني ويتقرر عنده. وقال الماوردي : معناه ولا تسأل قبل أن يأتيك الوحي إن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلاً ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه، وفشت المقالة بين اليهود قد غلب محمد فنزلت ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ﴾ أي بنزوله. وقال أبو مسلم ﴿وَلا تَعْجَلْ﴾ بقراءته في نفسك أو في تأديته إلى غيرك أو في اعتقاد ظاهره أو في تعريف غيرك ما يقتضيه ظاهره احتمالات.
﴿مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُا﴾ أي تمامه أو بيانه احتمالات، فالمراد إذاً أن لا ينصب نفسه ولا غيره عليه حتى يتبين بالوحي تمامه أو بيانه أو هما جميعاً، لأنه يجب التوقف في المعنى لما يجوز أن يحصل عقيبه من استثناء أو شرط أو غيرهما من المخصصات، وهذه العجلة لعله فعلها باجتهاد عليه السلام انتهى. وفيه بعض تلخيص.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وقرأ الجمهور :﴿يُقْضَى إِلَيْكَ﴾ مبنياً للمفعول ﴿وَحْيُهُا﴾ مرفوع به. وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة ويعقوب وسلام والزعفراني وابن مقسم نقضي بنون العظمة مفتوح الياء وحيه بالنصب. وقرأ الأعمش كذلك إلا أنه سكن الياء من يقضي. قال صاحب اللوامح : وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفاً انتهى.
﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾ قال مقاتل أي قرآناً. وقيل : فهماً. وقيل : حفظاً وهذا القول متضمن للتواضع لله والشكر له عند ما علم من ترتيب التعلم أي علمتني مآرب لطيفة في باب التعلم وأدباً جميلاً ما كان عندي، فزدني علماً. وقيل : ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلاّ في طلب العلم.
﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَه عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئاِكَةِ اسْجُدُوا لادَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَـا ـاَادَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾.
تقدّمن قصة آدم في البقرة والأعراف والحجر والكهف، ثم ذكر ههنا لما تقدّم ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ كان من هذا الإنباء قصة آدم ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان ويتنبهوا على غوائله، ومن أطاع الشيطان منهم ذكر بما جرى لأبيه آدم معه وأنه أوضحت له عداوته، ومع ذلك نسي ما عهد إليه ربه وأيضاً لما أمر بأن يقول ﴿رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾ كان من ذلك ذكر قصة آدم وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدّم ذكرها، فكان في ذلك مزيد علم له عليه السلام، والعهد عند الجمهور الوصية. والظاهر أن المضاف إليه المحذوف بعد قوله ﴿مِن قَبْلُ﴾ تقديره ﴿مِن قَبْلُ﴾ هؤلاء الذين صرف لهم من الوعيد في القرآن لعلهم يتقون، وهم الناقضو عهد الله والتاركو الإيمان. وقال الحسن :﴿مِن قَبْلُ﴾ الرسول والقرآن. وقيل :﴿مِن قَبْلُ﴾ أن يأكل من الشجرة.
وقال الطبري : المعنى أن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس، فقدما فعل ذلك أبوهم آدم. قال ابن عطية : وهذا ضعيف وذلك أن كون آدم مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، وآدم عليه السلام إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضته عليه السلام، وإنما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه إنما هو لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلّم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبيّ قبله عهد إليه ﴿فَنَسِىَ﴾ فعرف ليكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وقال الزمخشري : يقال في أموامر الملوك ووصاياهم : تقدم الملك إلى فلان وأوغر عليه وعزم عليه وعهد إليه، عطف الله سبحانه وتعالى قصة آدم على قوله ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ والمعنى وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها وذلك ﴿مِن قَبْلُ﴾ وجودهم ﴿مِن قَبْلُ﴾ أن نتوعدهم فخالف إلى ما نُهي عنه وتوعد في ارتكابه مخالفتهم، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون كأنه يقول : إن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه انتهى. والظاهر أن النسيان هنا الترك إن ترك ما وصي به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها. وقال الزمخشري : يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى تولد من ذلك
٢٨٣