وقال الزمخشري : فاعل ﴿لَّمْ يَهْدِنِى﴾ الجملة بعده يريد ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ونظيره قوله تعالى ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخِرِينَ * سَلَـامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَـالَمِينَ﴾ أي تركنا عليه هذا الكلام، ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول انتهى. وكون الجملة فاعلاً هو مذهب كوفي، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخِرِينَ * سَلَـامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَـالَمِينَ﴾ فإن تركنا عليه معناه معنى القول فحكيت به الجملة كأنه قيل وقلنا عليه، وأطلقنا عليه هذا اللفظ والجملة تحكي بمعنى القول كما تحكى بلفظه، وأحسن التخاريج الأول وهو أن يكون الفاعل ضميراً عائداً على الله كأنه قال ﴿أَفَلَمْ﴾ يبين الله ومفعول يبين محذوف، أي العبر بإهلاك القرون السابقة ثم قال ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ أي كثيراً أهلكنا، فكم مفعوله بأهلكنا والجملة كأنها مفسرة للمفعول المحذوف ليهد.
وقال الحوفي : قال بعضهم هي في موضع رفع فاعل ﴿يَهْدِ﴾ وأنكر هذا على قائله لأن كم استفهام لا يعمل فيها ما قبلها انتهى. وليست كم هنا استفهاماً بل هي خبرية.
وقال أبو البقاء :﴿يَهْدِ لَهُمْ﴾ في فاعله وجهان أحدهما ضمير اسم الله تعالى أي ألم يبين الله لهم وعلق ﴿يَهْدِ﴾ هنا إذ كانت بمعنى يعلم كما علقت في قوله تعالى ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾ انتهى.
و﴿كَمْ﴾ هنا خبرية والخبرية لا تعلق العامل عنها، وإنما تعلق عنه الاستفهامية. وقرأ ابن السميفع : يُمَسُّون بالتشديد مبنياً للمفعول لأن المثنى يخلق خطوة بخطوة وحركة بحركة وسكوناً بسكون، فناسب البناء للمفعول والضمير في ﴿يَمْشُونَ﴾ عائد على ما عاد عليه لهم وهم الكفار الموبخون يريد قريشاً، والعرب يتقلبون في بلاد عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تمر عليها إلى الشام وغيره، ويعاينون آثار هلاكهم و﴿يَمْشُونَ فِى مَسَـاكِنِهِمْ﴾ جملة في موضع الحال من ضمير ﴿لَهُمُ﴾ والعامل أي ألم نبين للمشركين في حال مشيهم في مساكن من أهلك من الكفار. وقيل : حال من مفعول ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ﴾ أي أهلكناهم غارين آمنين متصرّفين في مساكنهم لم يمنعهم عن التمتع والتصرف مانع من مرض ولا غيره، فجاءهم الإهلاك بغتة على حين غفلة منهم به.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي في ذلك التبيين بإهلاك القرون الماضية ﴿لايَـاتٍ لاوْلِى﴾ أي العقول السليمة. ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا يترك العذاب معجلاً على من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلّم والكلمة السابقة هي المعدة بتأخير جزائهم في الآخرة قال تعالى :﴿الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ تقول : لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عاداً وثموداً لازماً هؤلاء الكفرة، واللزام إما مصدر لازم وصف به وإما فعال بمعنى مفعل أي ملزم كأنه آلة للزوم، ولفظ لزومه كما قالوا لزاز خصم. وقال أبو عبد الله الرازي : لا شبهة أن الكلمة إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ أن أمة محمد صلى الله عليه وسلّم وإن كذبوا يؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال انتهى.
والأجل أجل حياتهم أو أجل إهلاكهم في الدنيا أو عذاب يوم القيامة، أقوال : فعلى الأول يكون العذاب ما يلقى في قبره وما بعده. وعلى الثاني : قتلهم بالسيف يوم بدر. وعلى الثالث : هو عذاب جهنم. وفي صحيح البخاري "أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى" والظاهر عطف ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ على كلمة وأخر المعطوف عن المعطوف عليه، وفصل بينهما بجواب ﴿لَوْلا﴾ لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي، وأجاز الزمخشري أن يكون ﴿وَأَجَلٌ﴾ معطوفاً على الضمير المستكن في كان قال أي ﴿لَكَانَ﴾ الأخذ العاجل
٢٨٩
﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل انتهى.