و﴿الْعَقَبَةَ﴾ أي الحميدة أو حسن العاقبة لأهل التقوى ﴿وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِاَايَةٍ مِّن رَّبِّهِا﴾ هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الاولَى ﴾ أي القرآن الذي سبق التبشيرية وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزّلة على الرسل، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة. وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص ﴿تَأْتِهِم﴾ بالتاء على لفظ بينة. وقرأ باقي السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي يأتهم بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل. وقرأ الجمهور بإضافة ﴿بَيِّنَةً﴾ إلى ﴿مَا﴾ وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو بالتنوين و﴿مَا﴾ بدل. قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون ما نفياً وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب. وقرأت فرقة بنصب ﴿بَيِّنَةً﴾ والتنوين و﴿مَا﴾ فاعل بتأتهم و﴿بَيِّنَةً﴾ نصب على الحال، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ ﴿مَا﴾ ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله.
وقرأ الجمهور ﴿فِى الصُّحُفِ﴾ بضم الحاء، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان، والدليل قاله الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلّم لقوله :﴿لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا﴾ ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله محمداً إليهم والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة. وقيل ﴿نَّذِلَّ﴾ في الدنيا وفي الآخرة. وقيل : الذل الهوان والخزي الافتضاح.
وقرأ الجمهور ﴿أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ مبنياً للفاعل، وابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب مبنياً للمفعول.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾ أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو ﴿مُّتَرَبِّصٌ﴾ حملاً على لفظ ﴿كُلِّ﴾ كقوله ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ والتربص التأني والانتظار للفرح و﴿مِنْ أَصْحَابِ﴾ مبتدأ وخبر علق عنه}فستعلمون} وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون وفستعلمون} وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون ووأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون و﴿أَصْحَابُ﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقاً سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أياً أم غيره.
وقرأ الجمهور ﴿السَّوِيِّ﴾ على وزن فعيل أي المستوي. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط. وقرأ الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث ﴿الصِّرَاطِ﴾ وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به ﴿وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ على الضد ومعناه ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى، فاحتمل أن يكون أصله السووي إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واواً وأدغم، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واواً وأدغمت الواو وفي الواو، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواءان
٢٩٢
يكون السويا فتجتمع واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء، فكان يكون التركيب السيا. وقرىء السُوَيّ بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء. قاله الزمخشري، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير، فكنت تقول سؤيي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي. ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله ﴿وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠