﴿أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ﴾ بمعنى بل، والهمزة كأنه قيل بل ألهم آلهة فأضرب ثم استفهم ﴿تَمْنَعُهُم﴾ من العذاب. وقال الحوفي ﴿مِّن دُونِنَا ﴾ متعلق بتمنعهم انتهى. قيل : والمعنى ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز من أن ينالهم مكروه من جهتنا. وقال ابن عباس : في الكلام تقديم وتأخير، تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم تقول : منعت دونه كففت أذاه فمن دوننا هو من صلة ﴿ءَالِهَةً﴾ أي أم لهم آلهة دوننا أو من صلة ﴿تَمْنَعُهُم﴾ أي ﴿أَمْ لَهُمْ﴾ مانع من سوانا. ثم استأنف الإخبار عن آلهتهم فبيَّن أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره ؟ وقال ابن عباس ﴿يُصْحَبُونَ﴾ يمنعون. وقال مجاهد : ينصرون. وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير. وقال الشاعر :
ينادي بأعلى صوته متعوذاليصحب منا والرماح دوان
وقال مجاهد : يحفظون. وقال السدّي : لا يصحبهم من الملائكة من يدفع عنهم، والظاهر عود الضمير في ﴿وَلَهُمْ﴾ على الأصنام وهو قول قتادة. وقيل : على الكفار وهو قول ابن عباس، وفي التحرير مدار هذه الكلمة يعني ﴿يُصْحَبُونَ﴾ على معنيين أحدهما أنه من صحب يصحب، والثاني من الإصحاب أصحب الرجل منعه من الآفات.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَـؤُلاءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُا أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الارْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآا أَفَهُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ :.
٣١٤
﴿هَـا ؤُلاءِ﴾ إشارة إلى المخاطبين قبل وهم كفار قريش، ومن اتخذ آلهة من دون الله أخبر تعالى أنه متع ﴿هَـا ؤُلاءِ﴾ الكفار ﴿وَءَابَآءَهُمْ﴾ من قبلهم بما رزقهم من حطام الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، وتدعسوا في الضلالة بإمهاله تعالى إياهم وتأخيرهم إلى الوقت الذي يأخذهم فيه ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الارْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآا أَفَهُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ تقدم تفسير هذه الجملة في آخر الرعد. واقتصر الزمخشري من تلك الأقوال على معنى أنّا ننقص أرض الكفر ودار الحرب ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام قال : فإن قلت : أي فائدة في قوله ﴿نَأْتِى الارْضَ﴾ ؟ قلت : الفائدة فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها انتهى. وفي ذلك تبشير للمؤمنين بما يفتح الله عليهم، وأكثر المفسرين على أنها نزلت في كفار مكة وفي قولهم :﴿أَفَهُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ دليل على ذلك إذ المعنى أنهم هم الغالبون، فهو استفهام فيه تقريع وتوبيخ حيث لم يعتبروا بما يجري عليهم.
ثم أمره تعالى أن يقول ﴿إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ﴾ أي أعلمكم بما تخافون منه بوحي من الله لا من تلقاء نفسي، وما كان من جهة الله فهو الصدق الواقع لا محالة كما رأيتم بالعيان من نقصان الأرض من أطرافها، ثم أخبر أنهم مع إنذارهم معرضون عما أنذروا به فالإنذار لا يجدي فيهم إذ هم صم عن سماعه، ولما كان الوحي من المسموعات كان ذكر الصمم مناسباً و﴿الصُّمُّ﴾ هم المنذرون، فأل فيه للعهد وناب الظاهر مناب المضمر لأن فيه التصريح بتصامهم وسد أسماعهم إذا أنذروا، ولم يكن الضمير ليفيد هذا المعنى ونفي السماع هنا نفي جدواه.
وقرأ الجمهور ﴿يَسْمَعُ﴾ بفتح الياء والميم ﴿الصُّمُّ﴾ رفع به و﴿الدُّعَآءِ﴾ نصب. وقرأ ابن عامر وابن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء من فوق مضمومة وكسر الميم ﴿الصُّمُّ الدُّعَآءَ﴾ بنصبهما والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول صلى الله عليه وسلّم. وقرأ كذلك إلا أنه بالياء من نحت أي ﴿وَلا يَسْمَعُ﴾ الرسول وعنه أيضاً ﴿وَلا يَسْمَعُ﴾ مبنياً للمفعول ﴿الصُّمُّ﴾ رفع به ذكره ابن خالويه. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عن أبي عمرو
٣١٥
﴿يَسْمَعُ﴾ بضم الياء وكسر الميم ﴿الصُّمُّ﴾ نصباً ﴿الدُّعَآءِ﴾ رفعاً بيسمع، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعاً والمفعول الثاني محذوف، كأنه قيل : ولا يسمع النداء الصم شيئاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
ثم أخبر تعالى أن هؤلاء الذين صموا عن سماع ما أنذروا به إذا نالهم شيء مما أنذروا به، ولو كان يسيراً نادوا بالهلاك وأقروا بأنهم كانوا ظالمين، نبهوا على العلة التي أوجبت لهم العذاب وهو ظلم الكفر وذلوا وأذعنوا. قال ابن عباس :﴿نَفْحَةٌ﴾ طرف وعنه هو الجوع الذي نزل بمكة وقال ابن جريج : نصيب من قولهم نفح له من العطاء نفحة إذا أعطاه نصيباً وفي قوله ﴿وَلَـاِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ﴾ ثلاث مبالغات لفظ المس، وما في مدلول النفح من القلة إذ هو الريح اليسير أو ما يرضخ من العطية، وبناء المرة منه ولم يأت نفح فالمعنى أنه بأدنى إصابة من أقل العذاب أذعنوا وخضعوا وأقروا بأن سبب ذلك ظلمهم السابق.