ولما ذكر التقوى ذكر ما أنتجته وهو خشية الله والإشفاق من عذاب يوم القيامة والساعة القيامة وبالغيب. قال الجمهور : يخافونه ولم يروه. وقال مقاتل : يخافون عذابه ولم يروه. وقال الزجاج : يخافونه من حيث لا يراهم أحد ورجحه ابن عطية. وقال أبو سليمان الدمشقي : يخافونه إذا غابوا عن أعين الناس، والإشفاق شدة الخوف، واحتمل أن يكون قوله ﴿وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ استئناف إخبار عنهم، وأن يكون معطوفاً على صلة ﴿الَّذِينَ﴾، وتكون الصلة الأولى مشعرة بالتجدّد دائماً كأنها إحالتهم فيما يتعلق بالدنيا، والصلة الثانية من مبتدأ وخبر عنه بالاسم المشعر بثبوت الوصف كأنها حالتهم فيما يتعلق بالآخرة.
ولما ذكر ما آتى موسى وهارون عليهما السلام أشار إلى ما آتى محمداً صلى الله عليه وسلّم فقال ﴿وَهَـاذَآ﴾ أي القرآن ﴿ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ أي كثير منافعه غزير خبره، وجاء هنا الوصف بالاسم ثم بالجملة جرياً على الأشهر وتقدم الكلام على قوله في الأنعام ﴿وَهَـاذَا كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ مُبَارَكٌ﴾ وبينا هناك حكمة تقديم الجملة على الاسم ﴿أَفَأَنتُمْ لَه مُنكِرُونَ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ وهو خطاب للمشركين، والضمير في ﴿لَهُا﴾ عائد على ذكر وهو القرآن، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم إذا أنكر ذلك المشركون كما أنكر أسلاف اليهود ما أنزل الله على موسى عليه السلام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
٣١٧
التمثال : الصورة المصنوعة مشبهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى، مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به. قال الشاعر :
ويا رب يوم قد لهوت وليلةبآنسة كأنها خط تمثال
الجذ القطع. قال الشاعر :
بنو المهلب جذ الله دابرهمأمسوا رماداً فلا أصل ولا طرف النكس : قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفل، ونكس رأسه بالتشديد والتخفيف طأطأ حتى صار أعلاه أسفل. البرد : مصدر برد، يقال : برد الماء حرارة الجوف يبردها. قال الشاعر :
٣١٨
وعطل قلوصي في الركاب فإنها
ستبرد أكباداً وتبكي بواكيا
النفس : رعي الماشية بالليل بغير راع، والهمل بالنهار بلا راع، الغوص : الدخول تحت الماء لاستخراج ما فيه. قال الشاعر :
أو درة صدقة غواصها بهجمتى يرها يهل ويسجد
النون : الحوت ويجمع على نينان، وروي : النينان قبله الحمر. الفرج : يطلق على الحر والذكر مقابل الحر وعلى الدبر. قال الشاعر :
وأنت إذا استدبرته شد فرجهمضاف فويق الأرض ليس بأعزل
الحدب : المسنم من الأرض كالجبل والكدبة والقبر ونحوه. النسلان : مقاربة الخطو مع الإسراع قال الشاعر :
عسلان الذئب أمسى قاربابرد الليل عليه فنسل
الحصب : الحطب بلغة الحبشة إذا رمى به في النار قبل وقبل أن يرمي به لا يسمى حصباً. وقيل : الحصب ما توقد به النار. السجل : الصحيفة.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَه مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِا عَـالِمِينَ * إِذْ قَالَ لابِيهِ وَقَوْمِهِا مَا هَـاذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَـاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَـابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّـاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَالِكُم مِّنَ الشَّـاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾.
لما تقدم الكلام في دلائل التوحيد
٣١٩
والنبوة والمعاد أتبع ذلك بثلاثة عشر نبياً غير مراعى في ذكرهم الترتيب الزماني، وذكر بعض ما نال كثيراً منهم من الابتلاء كل ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم وليتأسى بهم فيما جرى عليه من قومه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧